{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ (٤٨)}
الشرح: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أي: بعد السنين المخصبة. {سَبْعٌ شِدادٌ}: سبع سنوات مجدبة ممحلة شديدة على الناس. {يَأْكُلْنَ}: يأكل أهلهن. {ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي: ما ادخرتم لأجلهن، فأسند الفعل للسنوات على سبيل المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به، ونحوه قول القائل: [الطويل]
نهارك يا مغرور سهو وغفلة... وليلك نوم، والرّدى لك لازم
والنهار لا يسهو، والليل لا ينام، وإنما يسهى في النهار وينام في الليل. {إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ}: تحرزون لبذور الزراعة، والإحصان: الإحراز، وهو إبقاء الشيء في الحصن بحيث يحفظ ولا يضيع، وانظر شرح (ثم) في الآية رقم [١] من سورة (هود) عليه السّلام.
الإعراب: {ثُمَّ}: حرف عطف. {يَأْتِي}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {مِنْ بَعْدِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، و {بَعْدِ}: مضاف، و {ذلِكَ} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {سَبْعٌ}:
فاعل: {يَأْتِي}. {شِدادٌ}: صفة، وقد ذكّر لفظ: {سَبْعٌ؛} لأن المعدود مؤنث، والعدد المحصور بين ثلاثة وتسعة يكون بعكس معدودة في التذكير والتأنيث. {يَأْكُلْنَ}: مضارع مبني على السكون، ونون النسوة فاعله. {ما}: موصولة، أو موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: يأكلن الذي، أو شيئا قدمتموه. {لَهُنَّ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والنون حرف دال على جماعة الإناث، وجملة:
{يَأْكُلْنَ..}. إلخ صفة ثانية ل {سَبْعٌ،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ}: إعراب هذه الكلمات مثل إعراب: {إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ} في الآية السابقة، والآية بكاملها معطوفة على ما قبلها، فهي من مقول يوسف عليه السّلام.
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)}
الشرح: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أي: من بعد السنوات المجدبة. {عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ} أي:
يمطرون من (الغيث) الذي هو المطر، وقيل: هو من الغوث، من قولهم: استغثت بفلان، فأغاثني.
{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: يعصرون العنب خمرا، والزيتون زيتا، والسمسم دهنا، المراد به كثرة الخير والنعم على الناس، وكثرة الخصب في الزروع والثمار، هذا؛ وما في هذه الآية خبر من يوسف-على نبينا، وعليه أزكى صلاة وأتم تسليم-عن شيء لم يكن في رؤيا الملك، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله. قال قتادة: زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، إظهارا لفضله، وإعلاء لشأنه، ولعله اقتبسه من سنة الله في خلقه على أنه يوسع على عباده بعد ما ضيق عليهم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.