للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الشاهد رقم [٣٩٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» والجملة الفعلية بعد (ما) صلتها، والعائد محذوف؛ إذ التقدير: فعال للذي، أو لشيء يريده.

{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)}

الشرح: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} استفهام للتشويق؛ أي: هل بلغك يا محمد! خبر الجموع الكافرة؛ الذين تجندوا لحرب الرسل، والأنبياء؟! هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس، وما أنزل عليهم من النقمة والعذاب؟! فهو يؤنسه بذلك، ويسليه. {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ:} هذا بيان للجنود، وهم كانوا أشد بأسا، وأقوى مراسا من كفار قريش، ومع ذلك فقد أخذهم الله بذنوبهم، ولم يبال بهم. {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} أي: لم يعتبر كفار قريش بما حلّ بأولئك الكفرة المكذبين، بل هم مستمرون في التكذيب، فهم أشد منهم كفرا، وطغيانا، وإنما خص فرعون، وثمود بالذكر؛ لأن ثمود في بلاد العرب، وقصتهم عند كفار قريش مشهورة، وإن كانوا من المتقدمين، وأمر فرعون كان مشهورا عند جميع الناس من أهل الكتاب، وغيرهم، وكان من المتأخرين في الهلاك، فدل بهما على أمثالهما في الهلاك. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {هَلْ:} حرف استفهام. {أَتاكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والكاف مفعول به. {حَدِيثُ:} فاعل، وهو مضاف، و {الْجُنُودِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {فِرْعَوْنَ:} بدل من {الْجُنُودِ} مجرور مثله، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {وَثَمُودَ:} الواو: حرف عطف.

(ثمود): معطوف على {فِرْعَوْنَ} مجرور أيضا، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. {بَلِ:} حرف عطف وانتقال. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية صلة له. {فِي تَكْذِيبٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

تنبيه: قوله تعالى: {فِي تَكْذِيبٍ} أي: تكذيب شديد. فإنهم سمعوا قصتهم، ورأوا آثار هلاكهم، وكذبوا أشد من تكذيبهم. ففيه عدول عن: «يكذبون» إلى جعلهم في التكذيب، وأنه لشدته أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه، أو إحاطة البحر بالغريق فيه مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه، وتهويله، ففيه استعارة تبعية في كلمة: {فِي}. انتهى. جمل نقلا من السمين.

{وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)}

الشرح: {وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ} أي: عالم بأحوالهم، وقادر عليهم، وهم لا يعجزونه، والإحاطة بهم من ورائهم مثل؛ لأنهم لا يفوتونه، كما لا يفوت الشيء المحيط به، فالمراد:

<<  <  ج: ص:  >  >>