النظر، أو لم تقم عليه الحجة؛ لأنه لم يبلغ حدّ التكليف، أو لأنه يقوم مقام الكل، وخذ قول الشاعر: [البسيط]
لم يبق من جلّ هذا الناس باقية... ينالها الوهم إلاّ هذه الصور
لا يدهمنّك من دهمائهم عدد... فإنّ جلّهم بل كلّهم بقر
دهمه: غشيه. يقول: لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء، أو نصرة، فإن كلهم كالأنعام، والبهائم. ولله درّ القائل: [المنسرح]
لا يدهمنك اللحاء والصّور... تسعة أعشار من ترى بقر
في شجر السّرو منهم شبه... له رواء، وماله ثمر
ورضي الله عن حسان بن ثابت إذ يقول: [البسيط]
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم... جسم البغال، وأحلام العصافير
وخذ قوله تعالى في سورة الروم الآية رقم [٦]: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ}.
الإعراب: {ما:} نافية. {خَلَقْناهُما:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {إِلاّ:} حرف حصر. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من (نا)، أي: إلاّ ملتبسين بالحق. والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. وقيل: مفسرة لما قبلها، وهو وجه ضعيف.
{وَلكِنَّ:} الواو: واو الحال. (لكنّ): حرف مشبه بالفعل. {أَكْثَرَهُمْ:} اسم (لكنّ)، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة: {لا يَعْلَمُونَ} مع المفعول المحذوف في محل رفع خبر (لكنّ)، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الحق، والرابط: الواو، وإعادة (الحق) بلفظه لو ذكر.
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠)}
الشرح: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ:} هو يوم القيامة، وسمي بذلك؛ لأنّ الله تعالى يفصل فيه بين خلقه، وبين الحق، والباطل، وبين المحق، والمبطل، وبين المظلوم، والظالم، دليله قوله تعالى في سورة الممتحنة رقم [٣]: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} ونظيره قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [١٤]: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} ويوم الفصل ميقات الناس أجمعين، كما قال تعالى في سورة (النبأ) رقم [١٧]: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً} أي: الوقت المجعول لتمييز المسيء من المحسن، والفصل بينهما {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} رقم [٧] من سورة (الشورى) وهذا غاية في التحذير، والوعيد، والتهديد.