للبعد، والكاف: حرف خطاب لا محل له. {لَآيَةً:} اللام: لام الابتداء. (آية): اسم:
{إِنَّ} مؤخر. {لِلْمُؤْمِنِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة (آية)، والجملة الاسمية:
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها أيضا.
{اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)}
الشرح: {اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ} أي: تقربا إلى الله تعالى بقراءته، وتذكرا لما في تضاعيفه من المعاني، وتذكيرا للناس، وحملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام، ومحاسن الآداب، ومكارم الأخلاق.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ:} الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعم أمته إلى يوم القيامة بدليل التعليل بالجملة الاسمية التالية، وإقامة الصلاة: أداؤها في وقتها بقراءتها، وركوعها، وسجودها، وقعودها وتشهدها، وجميع شروطها على الوجه الأكمل، ومن لم يؤدها على الوجه الأكمل؛ يقال عنه:
إنه صلى، ولا يقال: أقام الصلاة. وانظر ما ذكرته لك في الآية رقم [٣] من سورة (النمل).
{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ} أي: ما قبح من الأعمال، وفحش من الأقوال.
{وَالْمُنْكَرِ:} وهو ما استقبحه الشرع، والعقل، وتأباه الفطرة السليمة، والخليقة المستقيمة، فقد قال عبد الله بن مسعود، وابن عباس-رضي الله عنهما-: في الصلاة منتهى، ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر؛ لم تزده صلاته من الله إلا بعدا.
وقال الحسن، وقتادة-رضي الله عنهما-: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ فصلاته وبال عليه. وقيل: من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي، والسيئات. كما روي عن أنس -رضي الله عنه-قال: كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم لم يدع من الفواحش شيئا إلا ركبه، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ صلاته ستنهاه يوما». فلم يلبث أن تاب، وحسنت حاله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «ألم أقل لكم: إنّ صلاته ستنهاه يوما».
وفي الآية قول آخر، ارتضاه المحققون، وقال به المشيخة الصوفية، وذكره المفسرون؛ حيث قيل: المراد ب: {(أَقِمِ الصَّلاةَ)} إدامتها، والقيام بحدودها، ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها، وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة.
والصلاة تشغل كل بدن المصلي، فإذا دخل المصلي في محرابه، وخشع، وأخبت لربه، وادّكر أنه واقف بين يديه، وأنه مطلع عليه، ويراه؛ صلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى، يرجع بها إلى أفضل حالة. فهذا معنى هذه الأخبار؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون. انتهى. قرطبي.