للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم الظالمون) في محل رفع خبره، وزيدت الفاء في خبره؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، والجملة الاسمية على الاعتبارين مستأنفة، لا محلّ لها.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ (١٢)}

الشرح: قيل: نزلت الاية الكريمة في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا سافر، أو غزا ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما، ويتقدمهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام، والشراب، فضمّ سلمان الفارسي-رضي الله عنه-إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدّم سلمان-رضي الله عنه-إلى المنزل، فغلبته عيناه، فنام، ولم يهيئ لهما شيئا، فجاآ، فلم يجدا طعاما، وإداما، فقالا له: انطلق، فاطلب لنا من النبي صلّى الله عليه وسلّم طعاما.

فذهب، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: اذهب إلى أسامة بن زيد، فقل له: «إن كان عنده فضل طعام؛ فليعطك». وكان أسامة-رضي الله عنه-خازن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذهب إليه، فقال أسامة: ما عندي شيء! فرجع إليهما، فأخبرهما، فقالا: كان عند أسامة، ولكنه بخل. ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد عندهم شيئا، فلما رجع، قالا: لو بعثناه إلى بئر سميحة (بئر قديمة بالمدينة غزيرة الماء) لغار ماؤها، ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء؟ فرآهما النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟» فقالا: يا نبي الله! والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما، ولا غيره! فقال: «ولكنّكما ظللتما تأكلان لحم أسامة، وسلمان». ونزلت الاية الكريمة.

ذكره الثعلبي. والمعنى: لا تظنوا بأهل الخير سوآ إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.

انتهى. خازن، وقرطبي.

هذا؛ وإن الظن في الشريعة قسمان: محمود، ومذموم، فالمحمود منه ما سلم معه دين الظانّ، والمظنون به عند بلوغه، والمذموم ضده بدليل قوله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ،} وقوله تعالى في سورة (النور) رقم [١٢]: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً،} وقوله تعالى في سورة (الفتح) رقم [١٢]: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً}. هذا؛ وينبغي للإنسان أن يحسن ظنه بالناس، ولا يسيء ظنه بهم استجابة لأمر الله تعالى في هذه الاية، ولا يسيء الظن بهم إلاّ الذي أعماله سيئة. قال الشاعر: [الطويل] إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهّم

وكذلك ينبغي له أن يحسن ظنّه بالله تعالى بأن الله يرحمه، ويعفو عنه، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «أنا عند ظنّ عبدي بي... إلخ» ولكن ينبغي أن يقرن حسن ظنّه بالله بحسن

<<  <  ج: ص:  >  >>