الشرح: قيل: نزلت الاية الكريمة في رجلين اغتابا رفيقهما، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا سافر، أو غزا ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما، ويتقدمهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام، والشراب، فضمّ سلمان الفارسي-رضي الله عنه-إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدّم سلمان-رضي الله عنه-إلى المنزل، فغلبته عيناه، فنام، ولم يهيئ لهما شيئا، فجاآ، فلم يجدا طعاما، وإداما، فقالا له: انطلق، فاطلب لنا من النبي صلّى الله عليه وسلّم طعاما.
فذهب، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: اذهب إلى أسامة بن زيد، فقل له:«إن كان عنده فضل طعام؛ فليعطك». وكان أسامة-رضي الله عنه-خازن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذهب إليه، فقال أسامة: ما عندي شيء! فرجع إليهما، فأخبرهما، فقالا: كان عند أسامة، ولكنه بخل. ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد عندهم شيئا، فلما رجع، قالا: لو بعثناه إلى بئر سميحة (بئر قديمة بالمدينة غزيرة الماء) لغار ماؤها، ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء؟ فرآهما النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟» فقالا: يا نبي الله! والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما، ولا غيره! فقال:«ولكنّكما ظللتما تأكلان لحم أسامة، وسلمان». ونزلت الاية الكريمة.
ذكره الثعلبي. والمعنى: لا تظنوا بأهل الخير سوآ إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.
انتهى. خازن، وقرطبي.
هذا؛ وإن الظن في الشريعة قسمان: محمود، ومذموم، فالمحمود منه ما سلم معه دين الظانّ، والمظنون به عند بلوغه، والمذموم ضده بدليل قوله تعالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ،} وقوله تعالى في سورة (النور) رقم [١٢]: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً،} وقوله تعالى في سورة (الفتح) رقم [١٢]: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً}. هذا؛ وينبغي للإنسان أن يحسن ظنه بالناس، ولا يسيء ظنه بهم استجابة لأمر الله تعالى في هذه الاية، ولا يسيء الظن بهم إلاّ الذي أعماله سيئة. قال الشاعر:[الطويل] إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهّم
وكذلك ينبغي له أن يحسن ظنّه بالله تعالى بأن الله يرحمه، ويعفو عنه، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى:«أنا عند ظنّ عبدي بي... إلخ» ولكن ينبغي أن يقرن حسن ظنّه بالله بحسن