للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)}

الشرح: {قُلْ:} هذا الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يؤيد ما ذكر من الاعتراض. وقيل: هو لإبراهيم عليه السّلام. {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ:} على كثرتهم، واختلاف أحوالهم، وألسنتهم، فهو أمر للكفرة؛ لينظروا نظرة تبصر، واعتبار، لا نظرة غفلة، وإهمال، ينظرون إلى مساكن الأمم الماضية، وديارهم، وآثارهم كيف أهلكهم، كما قال تعالى: {ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.

{ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} أي: يخلق الخلق المرة الثانية بعد الأولى؛ التي هي الإبداء، والآخرة تكون يوم القيامة. فبدء الخلق، وإعادته نشأتان من حيث إن كلا منهما اختراع، وإخراج من العدم، غير أن الثانية إنشاء بعد إنشاء مثله، والأولى ليست كذلك، والقياس أن يقال: كيف بدأ الله الخلق، ثم ينشئ النشأة الآخرة؟ لأن الكلام معهم وقع في الإعادة، فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا لم يعجزه الإبداء، وجب ألا يعجزه الإعادة، فكأنه قال: ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة، فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه، وأوقعه مبتدأ.

{إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:} لأن قدرته لذاته، ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء، فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى. هذا؛ وقرئ: «(النّشاءة)» كالرأفة.

هذا؛ وقد قال تعالى هنا: {فَانْظُرُوا كَيْفَ..}. إلخ، وقال في سورة (الأنعام) رقم [١١]:

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا..}. إلخ والفرق بينهما: أن النظر هنا جعل مسببا عن السير، فكأنه قال: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين، ومعنى السير هناك إباحة السير للتجارة، وغيرها، وإيجاب النظر في آثار الهالكين. ونبه على ذلك ب‍: {ثُمَّ} التي هي للتراخي لتباعد ما بين الواجب، والمباح. انتهى. نسفي من سورة (الأنعام) بتصرف كبير.

الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {سِيرُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {فِي الْأَرْضِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {فَانْظُرُوا:} الفاء: حرف عطف. (انظروا):

فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من فاعل: {بَدَأَ}. {بَدَأَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ} تعالى. {الْخَلْقَ:} مفعول به، وجملة: {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ:} في محل نصب سدت مسد مفعول (انظروا)، المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وجملة: {فَانْظُرُوا..}. إلخ معطوفة على

<<  <  ج: ص:  >  >>