للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [٢٩] فإنّه جيد، والحمد لله!. {كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ:} مجتهدين في إقامة العدل. مواظبين عليه، و {قَوّامِينَ:} صيغة مبالغة مثله في الآية رقم [٣٤]، و (القسط): العدل، قال تعالى في سورة (الحجرات): {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

{شُهَداءَ لِلّهِ} معناه: شهداء بالحقّ لذات الله، ولوجهه، ولمرضاته، وثوابه. {وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} أي: ولو كانت الشّهادة على أنفسكم بأن تقرّوا بها، وتؤدّوها على الوجه الأكمل؛ لأنّ الشهادة بيان للحقّ؛ سواء أكانت عليه، أو على غيره، ولا يظهر الحقّ إلا بأدائها على الوجه الأكمل.

{أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} أي: ولو كانت الشّهادة على الوالدين، والأقربين من ذوي رحمه، أو أقاربه. فالمعنى: أدّوا الشهادة، وأقيموها لله تعالى، ولا تحابوا قريبا لقرابته، ولا غنيّا لغناه، ولا فقيرا لفقره، فذلك قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما} أي: أرحم بهما منكم، والمعنى: كلوا أمرهم إلى الله تعالى، فهو أعلم بهم، وبحالهم، وإنّما قال: {بِهِما} على التثنية؛ لأنّه ردّ الضمير إلى المعنى دون اللّفظ، يعني: فالله أولى بالغني، وبالفقير؛ أي: الله أولى بكلّ واحد منهما. وقيل: إنّما قال: بهما؛ لأنّه تقدّم ذكرهما، كما قال تعالى في الآية رقم [١٢]: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ،} وانظر شرح «الفقير» في الآية رقم [٦].

{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى:} يقصر، ويمدّ، والمراد بالأول: العشق؛ والغرام، وهو أيضا محبة الإنسان للشيء، وغلبته على قلبه، وهو ما في الآية الكريمة، ومنه قوله تعالى في سورة (النازعات): {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} أي: نهاها عن شهواتها، وما تدعو إليه من معاصي الله تعالى، ويراد بالممدود: ما بين السّماء والأرض، وقد جاء «الهواء» بمعنى العشق ممدودا في الشّعر، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وهان على أسماء إن شطّت النّوى... نحنّ إليها والهواء يتوق

وإليك هذين البيتين إنّهما من النّكت الحسان: [الكامل]

جمع الهواء مع الهوى في مهجتي... فتكاملت في أضلعي ناران

فقصّرت بالممدود عن نيل المنى... ومدّدت بالمقصور في أكفاني

وقال أبو عبيدة-رحمه الله تعالى-: لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر؛ لأنّه لا يقال: فلان يهوى الخير، بل يقال: فلان يحبّ الخير، وجمعه: أهواء، وجمع الممدود: أهوية. وقال الشعبيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>