الشرح: قال القرطبي: لما ذكر الله حال المشركين، وحال المنافقين، والشياطين؛ ذكر حال المؤمنين في الآخرة أيضا. وقال الجمل: وعبارة أبي حيان: لما ذكر تعالى من يعبده على حرف، وسفّه رأيه، وتوعّده بخسرانه في الآخرة، عقّبه بذكر حال مخالفهم من الإيمان، وما وعدهم به من الوعد الحسن، ثم أخذ في توبيخ أولئك الأولين، كأنه يقول: هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق، وظنوا: أن الله لن ينصر محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه، ونحن أمرناهم بالصبر، وانتظار وعدنا فمن ظن غير ذلك فليمدد... إلخ. الآية الآتية.
وأنا أقول: لقد اقتضت سنة الله في كتابه، وحكمته، ورحمته ألاّ يذكر التكذيب من الكافرين، والمنافقين؛ إلا ويذكر التصديق من المؤمنين، ولا يذكر الإيمان إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر الغضب، والسخط؛ ليكون المؤمن راغبا، راهبا، خائفا، راجيا.
هذا؛ والإيمان الصحيح هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، والعمل بالأركان، ولما سئل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنه قال:«الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشرّه من الله تعالى». والإيمان يزيد، وينقص على المعتمد، كما رأيت في الآية رقم [٢] من سورة (الأنفال) وله شعب كثيرة، هي سبع وسبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله... وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وهو بفتح الهمزة جمع: يمين، بمعنى الحلف بالله، أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه. واليمين أيضا: اليد اليمنى، وتجمع أيضا على:
أيمان، كما في قوله تعالى:{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} وهو كثير في القرآن الكريم.
{إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ} أي: من إثابة الموحّد الصالح، وعقاب المشرك، لا دافع له، ولا مانع، فالأول بحكم وعده الصدق، وبفضله، والثاني بما سبق من عدله، لا أنّ فعله تعالى معلل بفعل العبيد. هذا؛ والإرادة: نزوع النفس، وميلها إلى الفعل بحيث يحملها عليه، ويقال للقوة التي هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وكلا المعنيين غير متصور اتصاف الباري تعالى به، ولذا اختلف في معنى إرادته، فقيل: إرادته لأفعاله: أنه غير ساه، ولا مكره، ولأفعال غيره أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته، وقيل: علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل، والوجه الأصلح، وهذا الأخير هو المقبول؛ لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، وانظر الآية رقم [١٨].