بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة (الفتح) وهي مدنية بالإجماع، وآياتها تسع وعشرون آية نزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها. وفي البخاري: عن أسلم-رضي الله عنه-أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-كان يسير معه ليلا، فسأله عمر-رضي الله عنه-عن شيء، فلم يجبه، ثم سأله، فلم يجبه، ثم سأله، فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك يا عمر! كررت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك! قال عمر-رضي الله عنه-: فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّمت عليه، فقال:«لقد أنزل عليّ اللّيلة سورة لهي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس» ثمّ قرأ: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ..}. إلخ. وأخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب وزاد فيه: وكان في بعض أسفاره بالحديبية.
وعن أنس-رضي الله عنه-قال: لما نزلت: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ..}. إلى قوله تعالى:{فَوْزاً عَظِيماً} مرجعه من الحديبية، وهم مخالطهم الحزن، والكآبة، وقد نحر الهدي بالحديبية. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لقد أنزلت عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدّنيا جميعا» فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هنيئا مريئا، فما لنا؟ فأنزل الله عزّ وجل:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٩] من سورة (الأحقاف). هذا؛ وقال المسعودي: بلغني أنه من قرأ سورة (الفتح) في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع؛ حفظه الله ذلك العام.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)}
الشرح: الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وحده، والمعنى: إنا قضينا لك فتحا مبينا ظاهرا بغير قتال، ولا تعب. واختلفوا في هذا الفتح، فروى قتادة عن أنس-رضي الله عنه-: إنه فتح مكة، وقال مجاهد: إنه فتح خيبر. وقيل: هو فتح فارس، والروم، وسائر بلاد الإسلام، التي يفتحها الله له. والتعبير بلفظ الماضي عن المستقبل جريا على عادة الله تعالى في أخباره؛ لأنها في تحققها، وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة، كأنه تعالى قال: إنا فتحنا لك في حكمنا، وتقديرنا، وما قدره،