عن حروف العطف، كما هو قياس أجزاء الجملة المعطوفة، نحو قوله تعالى:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ،} وقوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ،} هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالف جماعة، أولهم الزمخشري، فزعموا: أن الهمزة في الآيات المتقدمة في محلها الأصلي، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في {أَفَلَمْ يَسِيرُوا..}. إلخ. {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً}. {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ..}. إلخ: أمكثوا فلم يسيروا في الأرض؟ أنهملكم فنضرب عنكم... إلخ، أتؤمنون في حياته، فإن مات أو قتل... إلخ، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد في جميع المواضع، انتهى. مغني اللبيب بتصرف.
الإعراب:{مَثَلُ}: مبتدأ، وهو مضاف، و {الْفَرِيقَيْنِ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {كَالْأَعْمى}:
جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، وإن اعتبرت الكاف اسما، فهي الخبر، وتكون مضافة و (الأعمى) في محل جر بالإضافة، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف للتعذر.
{وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}: هذه الأسماء معطوفة على (الأعمى)، والجملة الاسمية:{مَثَلُ..}.
إلخ مستأنفة لا محل لها. {هَلْ}: حرف استفهام. {يَسْتَوِيانِ}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وألف الاثنين فاعله. {مَثَلاً}: تمييز، والجملة الفعلية:{هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} مستأنفة لا محل لها، وجواب الاستفهام محذوف، التقدير: لا يستويان. {أَفَلا}:
الهمزة: حرف استفهام وتقريع وتوبيخ. الفاء: حرف عطف. (لا): نافية. {تَذَكَّرُونَ}: مضارع، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة مع الجملة المقدرة المعطوفة عليها على القول الثاني، ومعطوفة على ما قبلها على القول الأول في الفاء. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح:{أَرْسَلْنا}: بعثنا. {نُوحاً}: اسمه: السكن، وقيل: عبد الغفار. وسمي {نُوحاً} لكثرة نوحه على نفسه، وهو ابن لمك، بن متوشلح، بن أخنوخ، وهو إدريس النبي عليه السّلام، وكان نوح نجارا، واختلفوا في سبب نوحه، فقيل: لدعوته على قومه بالهلاك، وقيل: لمراجعته ربه في شأن ابنه كنعان، وقيل: لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: إخسأ يا قبيح! فأوحى الله تعالى إليه: أعبتني أم عبت الكلب؟! وهو أول رسول بعث بشريعة بعد آدم، وأول نذير على الشرك، وأنزل الله عليه عشر صحائف، وكان أول من عذبته أمته لردهم دعوته، وأهلك الله أهل الأرض بدعائه، وكان أبا البشر كآدم عليهما السّلام، وكان أطول الأنبياء عمرا، عمره ألفا وخمسين سنة، وقيل: أكثر، لم تنقص قوته، ولم يشب، ولم تسقط له سن، وصبر على أذى قومه طول عمره، وكان أبواه مؤمنين بدليل دعوته لهما بالمغفرة في الآية الآخرة من السورة المسماة باسمه.