محذوف، انظر تقديره، والجملة الاسمية على اعتبار {فِيما} مبتدأ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والجملة الفعلية: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} مستأنفة، لا محل لها. وقيل: في محل نصب حال، وهو ضعيف معنى.
{النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)}
الشرح: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ:} في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم، ونجاحهم؛ بخلافها؛ فإنها في كثير من الأحيان تأمر بالشر، وبما فيه مضرة لصاحبها {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي} فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ فيهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.
روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراد غزوة تبوك، فأمر الناس بالخروج، فقال ناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا، فنزلت الآية الكريمة، وفي معنى طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وشفقته على أمته جاء ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدّوابّ، والفراش يقعن فيه، وأنا آخذ بحجزكم، وأنتم تقحّمون فيه».
وعن جابر مثله، وقال: «وأنتم تفلّتون فيه». أخرج الحديث مسلم، وهذا مثل لاجتهاد نبينا، وحبيبنا صلّى الله عليه وسلّم في نجاتنا، وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا، فهو أولى بنا من أنفسنا، ولجهلنا بقدر ذلك، وغلبة شهواتنا علينا، وظفر عدونا اللعين بنا؛ صرنا أحقر من الفراش، وأذل من الفراش، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
وقيل: معنى: {أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: برعايتهم، والذود عنهم، ومساعدة ضعيفهم، ومعاونة فقيرهم. ويفسر هذا؛ ويؤيده ما رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدّنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فأيما مؤمن ترك مالا، فلترثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا، أو ضياعا؛ فليأتني، فأنا مولاه». أخرجه مسلم.
{وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ:} شرف الله تعالى أزواج نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن جعلهن أمهات المؤمنين؛ أي: في وجوب التعظيم، والمبرة، والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن-رضي الله تعالى عنهن-بخلاف الأمهات، وهذه الأمومة لا توجب الميراث كأمومة التبني، وجاز تزويج بناتهن، ولا يجعلن أخوات الناس. وأمّا النظر إليهن، والخلوة بهن؛ فإنه حرام في حقهن، كما في حق