للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب‍: {مَهِينٌ} موسى على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، يريد: حقير ضعيف لا عزّ له، فهو يمتهن نفسه في حاجاته؛ لحقارته وضعفه.

{وَلا يَكادُ يُبِينُ} أي: يفصح بكلامه للّثغة؛ التي كانت في لسانه. وإنما عابه بذلك لما كان عليه أولا، واللثغة التي كانت في لسانه حصلت من الجمرة التي التقمها، وذلك: أن موسى ربّي في حجر فرعون، فكان يلاعبه ذات يوم، فلطم موسى فرعون لطمة على وجهه، وأخذ بلحيته، فقال فرعون لامرأته آسية بنت مزاحم-وهي بنت عم موسى-: إن هذا عدوي. وأراد قتله، فقالت له آسية-عليهاالسّلام-: إنه صبي لا يعقل، جربه؛ إن شئت، فجاءت بطستين، في أحدهما جمرة، وفي الآخر جوهرة. وقيل: تمر، فوضعتهما بين يدي موسى؛ وفرعون ينظر، فأراد أن يأخذ الجوهرة، فأخذ جبريل عليه السّلام يد موسى، فوضعها على الجمر، فأخذ جمرة، فوضعها في فمه، فاحترق لسانه، وصارت فيه عقدة، وقد سأل الله تعالى أن يحل هذه العقدة؛ حيث قال في سورة (طه): {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي} انظر الآية رقم [٢٨] هناك تجد ما يسرّك.

تنبيه: كاد، يكاد: فعل يدل على وقوع مقاربة الفعل بعدها، ولذا لم تدخل عليه «أن» لأنها تخلص الفعل للاستقبال، وإذا دخل عليه حرف النفي؛ دلّ على أن الفعل بعده وقع، كما في قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٧١]: {فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} وإذا لم يدخل عليه حرف نفي لم يكن الفعل بعده واقعا، ولكنه قارب الوقوع. وفعله واوي العين، فيكاد وزنه: يكود، كيعلم، نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها؛ لأنّ الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم يقال: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا، فصار: يكاد، بوزن: يخاف. و «كاد» أصله: كود بكسر الواو، كخوف، ومصدره الكود، كالخوف، وهذا في كاد يكاد الناقصة وأما «كاد» التامة، فهي يائية العين المفتوحة في الماضي كباع، ومصدره:

الكيد، كالبيع، ولذا جاء المضارع في القرآن مختلفا، فمن الأول قوله تعالى في سورة (النور):

{يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ..}. إلخ، والآية التي نحن بصدد شرحها، ومن الثاني قوله تعالى في سورة (يوسف): {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} وقوله جلّ ذكره في سورة الطارق: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} ومعنى الأول المقاربة، ومعنى الثاني المكر، والأول ناقص التصرف، ويحتاج إلى مرفوع، ومنصوب، والثاني تام التصرف، ويكتفي بالفاعل، وينصب المفعول به.

فائدة:

قد تأتي «كاد» بمعنى: أراد، قاله محب الدين الخطيب، شارح شواهد الكشاف، وجعل منه قول الراقدة الأودي: [البسيط]

والبيت لا يبتنى إلاّ بأعمدة... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمّع أسباب وأعمدة... وساكن بلغوا الأمر الّذي كادوا

<<  <  ج: ص:  >  >>