الشرح:{لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} أي: لا تنادوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بعيد بقولكم: يا أبا القاسم، ونحوه، بل عظموه، كما قال تعالى في سورة (الحجرات):
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ..}. إلخ الآيات من أولها. وقال سعيد بن جبير، ومجاهد -رحمهما الله تعالى-: المعنى: قولوا: يا رسول الله! في رفق، ولين، ولا تقولوا: يا محمد! بتجهم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المعنى: احذروا دعاء الرسول إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره، أي: موجب للانتقام. وقيل: المعنى: لا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الإعراض، والمساهلة في الإجابة، والرجوع بغير إذن، فإن المبادرة إلى إجابته واجبة، والمراجعة بغير إذنه محرمة، وإجابته صلّى الله عليه وسلّم واجبة، ولو كان المسلم في الصلاة، كما صحت بذلك الأحاديث.
{قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً:} التسلل، والانسلال: الخروج قليلا قليلا في استخفاء، واللواذ: من الملاوذة، وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك، فقد كان المنافقون يتسللون، ويخرجون من المسجد يوم الجمعة؛ لأنه لم يكن أثقل عليهم منه، وحضور الخطبة، وسماعها فيه. وقال الحسن:{لِواذاً} فرارا من الجهاد، وثبت هذا عنهم في حفر الخندق حول المدينة، ومنه قول حسان بن ثابت-رضي الله عنه-: [الخفيف]
وقريش تلوذ منّا لواذا... لم يقيموا وخفّ منها الحلوم
ولم تقلب الواو في لواذا ألفا لتحركها في لاوذ، يقال: لاوذ، يلاوذ ملاوذة، ولواذا. ولاذ يلوذ لوذا، ولياذا، انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اتباعا ل: لاذ في الاعتلال. هذا؛ وقد قال السيوطي في همع الهوامع في باب الإبدال ما يلي: تبدل الياء بعد كسرة من واو، هي عين مصدر لفعل معل العين، موزون بفعال، نحو قام قياما، وعاد عيادا، بخلاف عين غير المصدر كصوان، وسواك، والمصدر المفتوح أوله، كرواح، أو المضموم كقوار، أو المكسور الذي لم يعل عين فعله، ك: لاوذ لواذا، وعاود عوادا، أو الموزون بفعل كالحول. وتبدل أيضا بعد كسرة من واو هي عين جمع لواحد ساكن العين، أو معتلها، صحيح اللام، موزون بفعال، كثوب وثياب، وحوض وحياض، ودار وديار، وريح ورياح بخلاف عين المفرد. انتهى. هذا؛ وفي قوله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللهُ} تهديد، ووعيد.