للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبيّ أيضا. وأخرج الطبراني، وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- فاستدل بذلك على أن السورة مكية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن اليهود جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم منهم كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، لعنهما الله! فقالوا: يا محمد! صف لنا ربك الذي بعثك. فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ،} فاستدل بهذا على أن السورة مدنية. انتهى. سيوطي أسباب النزول.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)}

الشرح: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ:} هو بمعنى واحد، وأصله: وحد، فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا في أول الكلمة، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: الله هو الواحد الأحد؛ الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا شبيه، ولا عديل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث: الأب، والابن، وروح القدس. ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة. قال في التسهيل: واعلم: أن وصف الله تعالى بالواحد الأحد، له ثلاثة معان، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه واحد لا ثاني معه، فهو نفي للعدد. والثاني: أنه واحد لا نظير له، ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره؛ أي: لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم، ولا يتبعض. والمراد بالسورة نفي الشريك ردا على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على واحدانيته تعالى، وذلك كثير جدا، وأوضحها أربعة براهين: الأول: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} الآية رقم [١٧] من سورة (النحل)، وهذا دليل الخلق، والإيجاد. فإذا ثبت: أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات؛ لم يصح أن يكون واحد منها شريكا له. والثاني: قوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} رقم [٢٢] من سورة (الأنبياء) وهو دليل الإحكام والإبداع. الثالث قوله تعالى:

{لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} رقم [٤٢] من سورة (الإسراء) وهو دليل القهر، والغلبة. الرابع: قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} رقم [٩١] من سورة (المؤمنون) وهو دليل التنازع والاستعلاء.

انتهى. صفوة التفاسير بتصرف، بعد هذا انظر شرح {أَحَدٌ} في سورة (الجن) [٢٦] فإنه جيد.

{اللهُ الصَّمَدُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هو الذي يصمد إليه في الحاجات، كما قال عز وجل: {ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} رقم [٥٣] من سورة (النحل). قال أهل اللغة: الصمد: السيد؛ الذي يصمد إليه في النوازل، والحوائج. قال الشاعر: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>