للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠)}

الشرح: {وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ} أي: ولما جاءهم القرآن لينبههم من غفلتهم، ويرشدهم إلى الهدى والتوحيد؛ ازدادوا عتوا، وضلالا، فقالوا عن القرآن: {هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ} أي: ونحن له جاحدون، لا نصدق: أنّه كلام الله. قال أبو السعود: سمّوا القرآن سحرا، وكفروا به، واستحقروا الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فضموا إلى كفرهم السابق معاندة الحق، والاستهانة به.

الإعراب: {وَلَمّا:} الواو: حرف استئناف. (لمّا): حرف وجود لوجود عند سيبويه، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف زمان بمعنى: «حين» عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه.

وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. وجملة: {جاءَهُمُ الْحَقُّ} في محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا، ولا محلّ لها على اعتبارها حرفا؛ لأنّها حينئذ ابتدائية. {قالُوا:}

ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الاسمية: {هذا سِحْرٌ} في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالُوا..}. إلخ جواب (لما)، لا محل لها، و (لما) ومدخولها كلام مستأنف، لا محلّ له. {وَإِنّا:} الواو: واو الحال. (إنا): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {كافِرُونَ:} خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية: {وَإِنّا..}. إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير.

{وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)}

الشرح: المعنى: أنهم قالوا: منصب النبوة منصب عظيم شريف، لا يليق إلاّ برجل شريف عظيم، كثير المال والجاه من إحدى القريتين، وهما: مكة، والطائف، واختلفوا في هذا الرجل العظيم، قيل: الوليد بن المغيرة بمكة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. وقيل: عتبة بن ربيعة بمكة، وكنانة بن عبد يا ليل من الطائف. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الوليد بن المغيرة من مكة، وحبيب بن عمير الثقفي من الطائف. انتهى. خازن. وانظر الآية رقم [١١] من سورة (الأحقاف).

وقال الصابوني: استبعدت قريش نزول القرآن على محمد، وهو فقير يتيم، واقترحوا أن ينزل على أحد الرؤساء، والعظماء، ظنا منهم: أنّ العظيم هو الذي يكون له مال، وجاه، وفاتهم: أنّ العظيم هو الذي يكون عند الله عظيما، وهم يعتبرون مقياس العظمة، الجاه والمال، وهذا رأي الجاهلين في كل زمان، ومكان. أما مقياس العظمة عند الله تعالى، وعند العقلاء؛ فإنما هو عظمة النفس، وسمو الروح؛ ومن أعظم نفسا، وأسمى روحا من محمد صلّى الله عليه وسلّم، الذي رعاه الله، ورباه، وأدبه، وكمله؟!. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>