اعتبار الجار والمجرور متعلقين بفعل محذوف، أو على تعليقهما بالفعل نفسه، وصفة للمبتدإ المقدر على وجه رأيته، وصفة لمفعول محذوف على قول أبي البقاء. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} انظر إعراب مثل هذه الجملة في الآية رقم [٦٥].
الشرح: لمّا ذكر الله جلت قدرته عجائب صنعته الدالة على وحدانيته، من: إخراجه اللبن، من بين فرث ودم، وإخراج السكر، والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب؛ ذكر في هذه الآية، ولاحقتها إخراج العسل الذي جعله شفاء للناس من دابة ضعيفة، هي النحلة. والخطاب في هذه الآية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يعم كل فرد من الناس، ممن له عقل يستدل به على كمال قدرة الله، ووحدانيته. وأصل الوحي: الإشارة السريعة، والوحي: الكتاب المنزل على الرسول المرسل لقومه مثل: موسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين، والوحي أيضا: الكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، وتسخير الطير لما خلق له إلهام، والوحي إلى النحل، وتسخيرها لما خلقها الله له إلهام أيضا؛ حيث تبني بيوتها على شكل هندسيّ يعجز عنه العقل البشري، ولها تنظيم في حياتها يدهش الألباب، ومن اقتنى النحل، ولاحظ تصرفاته؛ أدرك: أن ذلك من تدبير العليم الحكيم، ولما امتاز هذا الحيوان الضعيف بهذه الخواص العجيبة، الدالة على مزيد الذكاء والفطنة، دلّ ذلك على الإلهام الإلهي، فكان ذلك شبيها بالوحي، فلذا قال جل ذكره:{وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ..}. إلخ. انتهى. خازن بتصرف كبير.
قال الزجاج: يجوز أن يقال: سمي هذا الحيوان نحلا؛ لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها، بمعنى: أعطاهم إياه. وقال غيره: النحل يذكر، ويؤنث، وهي مؤنثة في لغة أهل الحجاز، وكذا أنثها الله تعالى، وكذا يؤنث كل جمع جنس ليس بينه وبين واحده إلا الهاء، مثل تمر وتمرة، ونعم ونعمة {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ..}. إلخ: وذلك أن النحل منه وحشي، وهو الذي يسكن الجبال والشجر، ويأوي إلى الكهوف، ومنه أهلي، وهو الذي يأوي إلى البيوت، ويربيه الناس عندهم، وقد جرت العادة أن الناس يبنون للنحل الأماكن التي تأوي إليها، ولا سيما في هذا العصر حيث يربى النحل تربية فنية، وذلك للمنافع التي تستفاد منه، بعد هذا يقرأ {النَّحْلِ} بسكون الحاء، وفتحها، ويقرأ {يَعْرِشُونَ} بكسر الراء وضمها.
ولا تنس: أنه قد ورد النهي عن قتل النحل، فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل أربع من الدواب: «الهدهد، والصّرد، والنّملة، والنّحلة». أخرجه أبو داود، وهذا إذا لم يكن واحد منهن مؤذيا، وإلا فقتل المؤذي حلال، كما سأذكره في سورة (النّمل) إن شاء الله تعالى.