للتّفريق فيه وفيما بعده. {اللهَ عُرْضَةً:} مفعولان للفعل: {تَجْعَلُوا،} والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {لِأَيْمانِكُمْ} متعلقان بمحذوف صفة: {عُرْضَةً} وأجيز تعليقهما بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {أَنْ تَبَرُّوا:} فعل مضارع منصوب ب {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والمصدر المؤوّل منهما في محل نصب على نزع الخافض، التقدير:
في أن تبروا. وهذا على قول الخليل، والكسائي، رحمهما الله تعالى. وقال الزمخشريّ، وتبعه البيضاويّ، والنّسفيّ، والجمل: عطف بيان ل (أيمانكم) أي: للأمور المحلوف عليها، الّتي هي البرّ، والتقوى، والإصلاح بين الناس. وقيل: المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، التقدير: البرّ، والتّقوى، والإصلاح أولى، وأمثل، مثل قوله تعالى:{طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}. وهو قول الزّجاج، والنّحاس، وهو يفيد: أنّ الجملة الاسمية تعليل للنّهي، وقال الزّجاج أيضا: محل المصدر النّصب بفعل محذوف، التّقدير: لا تمنعنّكم اليمين بالله-عز وجل- عن البر، والتقوى، والإصلاح. وإذا رجعنا إلى قول البصريين، والكوفيين في مثل ذلك، فالبصريون يعتبرون المصدر في محل جر بإضافة مفعول لأجله محذوف، التقدير: مخافة أو كراهة بركم، والكوفيون يقدّرون: لئلا تبروا، كقوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} الآية رقم [١٧٦] من سورة (النساء). {وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا:} هذان الفعلان معطوفان على: {تَبَرُّوا} وهما مثله في الإعراب، والتأويل، والتقدير. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله. و {بَيْنَ} مضاف، و {النّاسِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية:{وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:} معترضة في آخر الكلام، وهي متضمّنة معنى الوعيد، والتهديد، أو هي مستأنفة، ولا محل لها على الاعتبارين.
الشرح:{لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ:} اللغو: هو السّاقط من الكلام؛ الذي لا يعتدّ به، ولغو اليمين ما لا عقد معه، قال الفرزدق:[الطويل]
ولست بمأخوذ بلغو تقوله... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هو قول الرّجل في درج كلامه، واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، وإي والله، وكلاّ والله لمجرد التّوكيد لقوله، فهذا لا إثم فيه، ولا كفارة. وعليه قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٨٩]: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}.
وعن عروة بن الزبير: أنّ خالته الصّدّيقة بنت الصّدّيق-رضي الله عنهم-، قالت: أيمان اللغو ما كانت في المراء، والهزل، والمزاحة، والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب. وقيل: اللّغو: أن يحلف الرجل على شيء يرى أنّه صادق، ثم يتبيّن له خلاف ذلك. وبه قال أبو حنيفة، ومالك.
والأول هو مذهب الشافعي، ولا كفارة على مذهبه، ولا كفارة على مذهب مالك، وأبي حنيفة،