«نعم». قيل له: أيكون المؤمن كذّابا؟ قال:«لا». رواه مالك هكذا مرسلا. هذا؛ والأحاديث المنفّرة من الكذب، والمرغبة في الصدق كثيرة مشهورة، أكتفي منها بما يلي: عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرّى الصّدق؛ حتى يكتب عند الله صدّيقا، وإيّاكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرّى الكذب؛ حتّى يكتب عند الله كذّابا». رواه البخاري، ومسلم. كيف لا؟ والرسول صلّى الله عليه وسلّم جعل الكذب صفة من صفات النفاق. هذا؛ وانظر الصدق، وماله في حديث كعب بن مالك-رضي الله عنه-في الآية [١١٩] من سورة (التوبة)، ولا تنس: أنه قد ورد الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب في الشعر العربي أكتفي بقول الشاعر هنا:[البسيط]
لا يكذب المرء إلاّ من مهانته... أو فعله السّوء أو من قلّة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة... من كذبة المرء في جدّ وفي لعب
الإعراب:{إِنَّما:} كافة ومكفوفة، وهي مفيدة للحصر. {يَفْتَرِي:} مضارع مرفوع
إلخ. {الْكَذِبَ:} مفعول به. {الَّذِينَ:} فاعله، وجملة:{لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ} صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الفعلية:{إِنَّما يَفْتَرِي..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. الواو:
حرف عطف. (أولئك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُمُ:} ضمير منفصل لا محل له. {الْكاذِبُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ. هذا؛ وإن اعتبرت {هُمُ} مبتدأ ثانيا، و {الْكاذِبُونَ} خبره؛ فتكون الجملة الاسمية في محل رفع خبر (أولئك) والجملة الاسمية: {وَأُولئِكَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. تأمل، وتدبر.
الشرح:{مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ} أي: من كفر من بعد إيمانه، ورجع عن الإسلام، فعليه غضب الله، قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن خطل، وقيس بن الوليد بن المغيرة، كفروا بعد إيمانهم. انتهى. قرطبي.
وهؤلاء هم الذين شرحت صدورهم بالكفر، فاستحقوا غضب الله في الدنيا، وفي الآخرة؛ حيث اعتقدوه، وطابت نفوسهم به.