للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرّجل، وصارت العجلة في الغيضة عوانا، وكانت تهرب من الناس، فلمّا كبر ذلك الطفل، وكان بارّا بأمّه؛ فقالت له أمّه يوما: يا بنيّ! إنّ أباك ورّثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا، فانطلق، وادع إله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق أن يردّها عليك، وعلامتها: أنك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أن شعاع الشّمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهّبة؛ لحسنها، وصفرتها.

فأتى الفتى الغيضة، فرآها ترعى، فصاح بها، وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، فأقبلت البقرة حتى وقفت بين يديه، فقبض على قرنها يقودها، فسار بها إلى أمّه، فقالت له: إنّك رجل فقير، ولا مال لك، ويشقّ عليك الاحتطاب بالنّهار، والقيام في الليل، فانطلق وبع البقرة، فقال: بكم أبيعها؟ قالت: ثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي، وكان ثمن البقرة ثلاثة دنانير، فانطلق الفتى بها إلى السّوق، وبعث الله ملكا ليري خلقه قدرته، ويختبر الفتى كيف برّه بأمه؟ وهو أعلم، فقال له الملك: بكم هذه البقرة؟ قال: بثلاثة دنانير، وأشترط رضا أمي، فقال الملك: لك ستة دنانير، ولا تستأمر أمّك، فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهبا، لم آخذه إلا برضا أمّي، ورجع الفتى إلى أمّه، وأخبرها بالثّمن، فقالت له: ارجع، فبعها بستة دنانير، ولا تبعها إلا برضاي، فرجع إلى السوق، وأتى الملك، فقال له: استأمرت أمّك؟ فقال:

نعم إنّها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة على رضاها، فقال الملك: إنّي أعطيك اثني عشر دينارا، ولا تستأمرها، فأبى، ورجع إلى أمّه، وأخبرها الخبر بذلك، فقالت له أمّه: إنّ الذي يأتيك ملك في صورة آدمي ليجرّبك، فإذا أتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة، أم لا؟ ففعل، فقال له الملك: اذهب إلى أمّك، فقل لها: أمسكي البقرة؛ فإنّ موسى بن عمران يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل، فلا تبعها إلا بملء مسكها ذهبا، والمسك الجلد، فأمسكها وقدّر الله على بني إسرائيل ذبح البقرة بعينها، فما زالوا يستوصفون البقرة؛ حتّى وصفت لهم تلك البقرة بعينها مكافأة لذلك الفتى على برّه بأمه، فضلا من الله ورحمة.

فاشتروها، وذبحوها، ثمّ ضربوا القتيل بقطعة لحم منها، فحيي، وقال لبني عمّه: قتلني فلان، ثمّ رجع ميتا، فقتل موسى القاتل، وحرم الميراث. ومن طلب شيئا قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه. انتهى. خازن بتصرّف مع اختصار.

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ (٧٤)}

الشرح: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ:} القساوة: عبارة عن الغلظ مع الصلابة كما في الحجر، وقساوة القلب: نبوّه عن الاعتبار، فقساوته مستعارة من قساوة الحجر، استعيرت لنبوّ قلوبهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>