التأثر بالعظات، والقوارع الّتي تميع منها الجبال، وتلين بها الصخور. هذا؛ وأصل الفعل:
«قسى» فلما اتصلت به تاء التأنيث صار: «قسات» فحذفت الألف لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث فصار: «قست». هذا؛ والقلب: قطعة صغيرة على هيئة الصّنوبرة، خلقها الله في الآدمي، وجعلها محلاّ للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتبه الله بالخطّ الإلهي، ويضبطه بالحفظ الربّاني حتّى يحصيه، ولا ينسى منه شيئا، وهو بين لمّتين: لمة من الملك، ولمة من الشّيطان، -كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم-، فأمّا لمّة الملك؛ فإيعاد بالخير، وتصديق بالحقّ، وأما لمّة الشيطان؛ فإيعاد بالشرّ، وتكذيب بالحقّ، من وجد الأول؛ فيعلم: أنه من الله، ويحمد الله، ومن وجد الثاني؛ فليعوذ بالله من الشّيطان، ثم قرأ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} الآية رقم [٢٦٧] الآتية.
هذا واللّمة بفتح اللام: الخطرة الواحدة. من: الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها في الحديث: التي تقع في القلب من خير أو شرّ، فأما لمّة الشيطان؛ فوسوسة، وأما لمّة الملك؛ فإلمام من الله تعالى. هذا وسمّي القلب قلبا لأنّه يتقلّب؛ قال الشاعر: [الطويل]
وما سمّي الإنسان إلا لأنسه... ولا القلب إلاّ أنّه يتقلّب
{مِنْ بَعْدِ ذلِكَ:} من بعد المعجزات التي جاء بها موسى عليه السّلام، ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم، فقال تعالى في سورة (الحديد): {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ}.
{فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً:} اختلف العلماء في معنى ({أَوْ}) هنا، بعد استحالة كونها للشكّ، فقال بعضهم: هي هنا بمعنى الواو، كقوله تعالى في سورة (الدّهر): {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} وقوله تعالى في سورة (المرسلات): {عُذْراً أَوْ نُذْراً،} وكما قال جرير في مدح الخليفة الصّالح-وهو الشاهد رقم [٩٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
جاء الخلافة أو كانت له قدرا... كما أتى ربّه موسى على قدر
أي: وكانت. وقيل: هي بمعنى «بل» كقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٧٧]: {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} وكقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٤٧]:
{وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} وقال جرير في مدح هشام بن عبد الملك-وهو الشاهد رقم [١٠١] من كتابنا المذكور-: [الطويل]
ماذا ترى في عيال قد برمت بهم... لم أحص عدّتهم إلاّ بعدّاد؟
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية... لولا رجاؤك قد قتّلت أولادي