-أخزاه الله-على الشّجرة. التي دخلها زكريا، وأراهم طرف ردائه، فأخذوا المناشير، ونشروا الشّجرة نصفين، فسلّط الله عليهم أخبث أهل الأرض علجا مجوسيّا، كما رأيت في الآية رقم [٢٥٩] من سورة (البقرة) وذكرتها أيضا في الآية رقم [٥] من سورة (الإسراء) فانتقم الله منهم بدم يحيى، وزكريا، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام، فقتل عظماءهم، وسبى منهم مائة وسبعين ألفا. انتهى بتصرف كبير من قصص الأنبياء للنجّار، وللثّعالبي. وهكذا كان خبث بني إسرائيل، وخروجهم عن طاعة الله تعالى، وقتلهم الأنبياء بغير حقّ.
وينبغي أن تعلم: أنّ قتل هذين النّبيّين كان في حياة عيسى، وأنّهم كانوا جميعا في زمن واحد، ولم يذكر أحد عمر يحيى عليه السّلام، غير أنّ عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-قال: ولما بلغ المسيح أنّ يحيى قد قتل؛ جهر بدعوته، وقام في الناس واعظا. انتهى. وإذا علمت: أن يحيى، وعيسى متقاربان في زمن ولادتهما، وأن عيسى قد رفع، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة تبيّن لك أن يحيى لم يعش ثلاثين عاما. تأمل، وتدبّر، وربك أعلم، وأجلّ وأكرم، وصلّى الله على حبيبنا وشفيعنا محمد، وعلى عيسى، ويحيى، وزكريا، وجميع الأنبياء والمرسلين، وسلم.
الشرح:{وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ:} قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: كلّموها شفاها كرامة لها. ومن أنكر الكرامة زعم: أن ذلك كان معجزة لزكريا، عليه السّلام، وإرهاصا لنبوة عيسى، عليه السّلام، فإن الإجماع على أنّ الله تعالى لم يستنبئ امرأة لقوله تعالى في سورة (الأنبياء):
والمعتمد الأوّل للآية القرآنية. والاصطفاء الأول: تقبلها من أمها، ولم تقبل قبلها أنثى، وتفريغها للعبادة، وإغناؤها برزق الجنّة عن الكسب، وتطهيرها عمّا يستقذر من النساء. والثاني:
هدايتها، وإرسال الملائكة إليها، وتخصيصها بالكرامات السّنية، كالولد من غير أب، وتبرئتها ممّا قذفها اليهود به بإنطاق الطفل، وجعلها، وابنها آية للعالمين. والمراد ب ({الْمَلائِكَةُ}): جبريل وحده، كما في ندائه لزكريا، عليه السّلام. هذا؛ وقيل المراد ب {نِساءِ الْعالَمِينَ:} نساء زمانها، والمعتمد: أنّ المراد نساء العالمين أجمع إلى يوم الصّور. وقد نظم بعضهم الأفضلية بينها، وبين غيرها، فقال:[البسيط]
فضلى النّسا بنت عمران ففاطمة... خديجه ثمّ من قد برّأ الله
والمراد ب «من قد برأ الله»: عائشة-رضي الله عنها-. وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كمل من الرّجال كثير، ولم يكمل من النّساء إلاّ مريم بنت