ثم اعلم: أنّ «عند» أمكن من: «لدى» من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان، والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به، ويمتنع ذلك في لدى، ذكره ابن الشجري في أماليه، ومبرمان في حواشيه. والثاني: أنك تقول: عندي مال، وإن كان غائبا، ولا تقول: لديّ مال إلاّ إذا كان حاضرا. قاله جماعة، منهم: الحريري، وأبو هلال العسكري، وابن الشجري، وزعم المعري: أنّه لا فرق بينهما، وقول غيره أصح. انتهى. «فتح القريب المجيب».
الإعراب:{وَإِنَّهُ:} الواو: حرف عطف. (إنه): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {فِي أُمِّ:} متعلقان ب: (عليّ) بعدهما، واللام لا تمنع ذلك، أو هما متعلقان بمحذوف حال منه، كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها، صار حالا».
و {أُمِّ} مضاف، و {الْكِتابِ} مضاف إليه. {لَدَيْنا:} ظرف مكان بدل من {فِي أُمِّ،} أو هو متعلق بمحذوف حال من: {الْكِتابِ،} فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء، لاتصاله ب:(نا)؛ التي هي ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لَعَلِيٌّ:} اللام:
هي المزحلقة. (علي حكيم): خبران ل: (إنّ)، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الواقعة جوابا للقسم، لا محلّ لها مثلها. هذا؛ وأجيز اعتبار الجار والمجرور:{فِي أُمِّ} خبرا ل: (إنّ) وعليه فيكون قوله: {لَعَلِيٌّ} خبرا ثانيا، وهو معترض من حيث ما يلزم عليه من تقديم الخبر الغير مقرون باللام على المقرون بها، وهو ممتنع عند بعضهم. انتهى. جمل نقلا عن شيخه.
الشرح:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً:} الخطاب لأهل مكة، والمعنى: أفنترك عنكم الوحي، ونمسك عن إنزال القرآن، فلا نأمركم، ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم، وتركتم الإيمان، فنعتبركم كالبهائم، فلا نعظكم ولا نذكركم بالقرآن؟! {أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} أي: لأجل أنكم مسرفون في التكذيب، والعصيان. لا، بل نذكركم، ونعظكم به إلى أن ترجعوا إلى طريق الحق. وقيل: المعنى أفنضرب عنكم بذكرنا إياكم صافحين؟! أي:
معرضين عنكم. وقيل: معناه: أفنطوي الذكر عنكم طيا، فلا تدعون، ولا توعظون؟! وقيل:
أفنترككم، فلا نعاقبكم على كفركم؟!.
وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة؛ لهلكوا، ولكن الله عزّ وجل عاد بعائدته، وكرمه، ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة، أو ما شاء الله. قال ابن كثير: وقول قتادة لطيف المعنى جدا، وحاصله: أنّه تعالى من لطفه، ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر به ليهتدي به من قدّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته. انتهى.