للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)}

الشرح: {وَلا يَأْتَلِ:} ولا يحلف، من «الأليّة» وهي اليمين، ومنه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} الآية رقم [٢٢٦] من سورة (البقرة)، وقالت جماعة: لا يقصّر، من قولك: ألوت في كذا: إذا قصرت فيه، ومنه قوله تعالى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً..}. إلخ الآية رقم [١١٨] من سورة (آل عمران).

فالماضي: ائتلى، والمضارع: يأتلي، ولم أره في القاموس المحيط بهذا المعنى، ولكن فيه: أتل، يأتل أتلا، وأتلانا، وأتلالا محركتين: قارب الخطو في غضب، ومن الطعام امتلأ، والأوتل: الشبعان، وقوم أتل بضمتين، ووتل شباع انتهى. هذا؛ ويقرأ: «(ولا يتألّ)» من الأليّة، وهي اليمين. وفي المختار: آلى يؤلي إيلاء: حلف، وتألّى، وائتلى مثله، قلت: ومنه قوله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} والأليّة اليمين، وجمعها: ألايا، والألية بالفتح: ألية الشاة، ولا تقل: إلية بالكسر، ولا: ليّة وتثنيتها: أليان بغير تاء. انتهى.

{أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} أي: في الدين، ومكارم الأخلاق. {وَالسَّعَةِ} أي: في المال، والغنى.

{أَنْ يُؤْتُوا..}. إلخ أي: يعطوا وينفقوا من أموالهم على أصحاب القرابات والمساكين {وَالْمُهاجِرِينَ} من وطنهم من أجل دين الله. هذا؛ ويقرأ: «(تؤتوا)» بتاء المضارعة على الالتفات، ويعضده قوله:

{أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} وانظر الالتفات في الآية رقم [٣٤] من سورة (الأنبياء).

{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا:} وليتجاوزوا عن الجفاء، والإساءة عمن أساء إليهم، وليعرضوا عن عقوبتهم، وليرجعوا إلى الإحسان عمن أساء إليهم. هذا؛ وأولوا، وأولي هو جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده «ذو» المضاف إن كان مرفوعا، و «ذا» المضاف إن كان منصوبا، و «ذي» المضاف إن كان مجرورا.

وأما (ليعفوا) فهو بمعنى: ليصفحوا، فهو مرادف لما بعده، وهو كثير في القرآن بهذا المعنى كثرة لا تعد، ولا تحصى، كما يأتي (عفا) بمعنى الكثرة، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا} أي: حتى كثروا، ونموا في أنفسهم، وأموالهم. من قولهم: عفا النبات، وعفا الشحم، والوبر: إذا كثر. قال الحطيئة: [الطويل]

بمستأسد الغربان عاف نباته... بأسوق عافيات الشحم كوم

وعفا المنزل، يعفو عفاء: إذا انمحت آثاره، وذهبت معالمه، قال الشاعر: [البسيط]

وبالصّريمة منهم منزل خلق... عاف تغيّر إلاّ النّؤي والوتد

<<  <  ج: ص:  >  >>