للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن وجد الثاني فليتعوّذ بالله من الشيطان. ثم قرأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى في سورة (البقرة):

{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}. هذا؛ واللّمة بفتح اللام: الخطرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء والمراد بها في الحديث التي تقع في القلب من فعل خير، أو شرّ، فأما لمة الشيطان؛ فوسوسة. وأما لمة الملك؛ فإلهام من الله تعالى.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {بَلْ:} حرف انتقال، وإضراب. {رانَ:} فعل ماض. {عَلى قُلُوبِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع فاعل {رانَ،} والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {يَكْسِبُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها. والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: الذي، أو شيء كانوا يكسبونه. هذا؛ وإن اعتبرت (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع فاعل، والتقدير: ران على قلوبهم كسبهم السيئات، والمعاصي.

{كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)}

الشرح: {كَلاّ:} هنا بمعنى: حقا. {إِنَّهُمْ} يعني: الكفار. {عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة. {لَمَحْجُوبُونَ:} قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنّ الله عزّ وجلّ يرى في يوم القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خست منزلة الكفار بأنّهم يحجبون. وقال جل ثناؤه في سورة (القيامة): {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} فأعلم الله جلّ ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه، وأعلم أنّ الكفار محجوبون عنه. وقال مالك بن أنس-رحمه الله تعالى-في هذه الآية:

لما حجب أعداءه، فلم يروه؛ تجلّى؛ لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي-رضي الله عنه-: لما حجب قوما بالسخط؛ دل على أن قوما يرونه بالرضا. ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس: أنه يرى ربه في المعاد؛ لما عبده في الدنيا. وهذا كلام المدللين. وقال الحسين بن الفضل: لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده؛ حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وانظر ما ذكرته في سورة (القيامة) رقم [٢٢ و ٢٣] ففيها الدواء الشافي لقلبك.

{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ} أي: ملازموها، ومحترقون فيها، غير خارجين منها. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [٥٦]: {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}. وقال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٩٧]: {كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً}. {ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>