تؤديها يوم القيامة أداء مقبولا فيما لهم، وفيما عليهم، والآية الكريمة رقم [٤١] من سورة (النساء): {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} توضح هذا المعنى. {وَمُبَشِّراً} أي: للمؤمنين برحمة الله، وبالجنة. {وَنَذِيراً} أي: مخوفا للعصاة، والمكذبين، والفاسقين، والظالمين من النار، وعذاب الخلد فيها.
الإعراب: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} انظر الآية رقم [١] ففيها الكفاية. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): ضمير متصل في محل نصب اسمها حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها.
{أَرْسَلْناكَ:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {شاهِداً:} مفعول به ثان. وقيل: هي حال من الكاف، وهي حال مقارنة؛ إن كان المراد مراقبة أحوالهم في الدنيا، واعتبرها بعضهم مقدرة منتظرة بأن حمل الشهادة على شهادته عليهم في الآخرة؛ بأن يشهد عليهم بما حصل منهم في الدنيا من تصديق، وتكذيب، وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم لهم، والحال المقدرة مثل قولك:
مررت برجل معه صقر صائدا به؛ أي: مقدرا به الصيد غدا.
{وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦)}
الشرح: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما نزلت هذه الآية؛ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا ومعاذا-رضي الله عنهما-فبعثهما إلى اليمن، وقال: «اذهبا فبشّرا، ولا تنفّرا، ويسّرا، ولا تعسّرا، فإنه قد أنزل الله عليّ». وقرأ الآية.
{وَداعِياً إِلَى اللهِ} أي: إلى دين الله، وتوحيده، ومحاربة الكفر، وأهله. {بِإِذْنِهِ:} بأمره.
قال الزمخشري: لم يرد حقيقة الإذن، وإنما جعل الإذن مستعارا للتسهيل، والتيسير؛ لأن الدخول في حق المالك متعذر، فإذا صودف الإذن تسهل، وتيسر، فلما كان الإذن تسهيلا لما تعذر من ذلك؛ وضع موضعه، وذلك: أن دعاء أهل الشرك، والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة، والتعذر، فقيل: {بِإِذْنِهِ} للإيذان بأن الأمر صعب، لا يتأتى ولا يستطاع؛ إلا إذا سهله الله، ويسره، ومنه قولهم في الشحيح: إنه غير مأذون له في الإنفاق؛ أي غير مسهل له الإنفاق، لكونه شاقا عليه داخلا في حكم التعذر. انتهى. كشاف.
{وَسِراجاً مُنِيراً:} هذا استعارة للنور الذي يتضمنه شرع محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: {وَسِراجاً} أي:
هاديا من ظلم الضلالة، ووصفه بالإنارة؛ لأن من السّرج ما لا يضيء إذا قلّ زيته، ودقت فتيلته.
وفي كلام بعضهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء.
وسماه الله: سراجا، ولم يسمه: شمسا مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج وأنور؛ لأنه لا يمكن أن يؤخذ من نور الشمس شيء بخلاف نور السراج، فإنه يؤخذ منه أنوار كثيرة. وما