للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يشعرون بإتيانه، أو بإتيانها، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:

{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الواو، والضمير.

{فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)}

الشرح: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أي: مؤخرون وممهلون يطلبون الرجعة حين يفاجئهم العذاب، فلا يجابون، ويقولون ذلك تحسرا، وتأسفا. {أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ} أي: يطلبون العذاب، فيقولون: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ،} ويقولون: {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ}.

{أَفَرَأَيْتَ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، بمعنى: أخبرني ماذا يكون حالهم، وشأنهم. {إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ} أي: تركناهم أحياء سنين يتلذذون، ويتنعمون في هذه الدنيا، ومشتهياتها، ولذائذها. قال يحيى بن معاذ-رضي الله عنه-: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته، والتذ بمراداته، وسكن إلى مألوفاته؛ والله يقول: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ}. {ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ} أي: من العذاب. {ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ} أي: به في تلك السنين.

والمعنى: أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن، ولا لا حق بهم، وأنهم ممتعون بأعمار طوال، في سلامة، وأمن، فقال الله تعالى: {أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ} أشرا، وبطرا، واستهزاء، واتكالا على الأمل الطويل. ثم قال: هب: أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم، وتعميرهم، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك لا ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم، وطيب معايشهم.

وعن ميمون بن مهران: أنه لقي الحسن البصري في الطواف، وكان يتمنى لقاءه، فقال له:

عظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية، فقال ميمون: قد وعظت، فأبلغت! وعن الزهري -رحمه الله تعالى-قال: إن عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-كان إذا أصبح؛ أمسك بلحيته، ثم قرأ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ} ... {يُمَتَّعُونَ} ثم يبكي ويقول: [الطويل]

نهارك يا مغرور سهو وغفلة... وليلك نوم والرّدى لك لازم

فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم... ولا أنت في النّوّام ناج فسالم

تسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى... كما سرّ باللّذّات في النّوم حالم

وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه... كذلك في الدّنيا تعيش البهائم

<<  <  ج: ص:  >  >>