للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَاُدْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)}

الشرح: {وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ}: يوصي يعقوب عليه السّلام بنيه أن يدخلوا مدينة يوسف، أي: عاصمته من أبواب متفرقة، وكان للمدينة أربعة أبواب، وإنما أوصاهم بذلك؛ لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة، مشتهرين بالقربة والكرامة عند الملك مع كونهم أبناء رجل واحد، فخاف عليهم، إذا دخلوا في كوكبة واحدة أن يصابوا بالعين، ولعله لم يوصهم بذلك في المرة الأولى؛ لأنهم كانوا مجهولين حينئذ، أو كان الداعي لذلك خوفه على بنيامين.

{وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ} أي: مما قضى عليكم، بما أشرت به إليكم، فإن الحذر لا يمنع القدر مجتمعين كنتم أو متفرقين. {إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ}: يصيبكم بما أراد لا محالة إن قضى عليكم بشيء وقدره، ولا ينفعكم ما أوصيتكم به. وانظر الآية رقم [٤٠]. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت في أموري كلها على الله لا على غيره. {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي: عليه فليعتمد المعتمدون، وليفوضوا أمورهم وشئونهم إليه.

هذا؛ والتوكل: تفويض الرجل الأمر إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه وضره، وقالوا:

المتوكل من إن دهمه أمر، لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة، ثم سأل غيره خلاصه منها، لم يخرج عن حد التوكل؛ لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله، وإنما هو من تعاطي الأسباب في دفع المحنة.

بعد هذا انظر شرح {واحِدٍ} في الآية رقم [٣٩]، وأصل {يا بَنِيَّ} يا بنين لي، فحذف حرف الجر، واتصلت ياء المتكلم بالاسم، فحذفت النون للإضافة، ثم أدغمت ياء المتكلم بالياء التي هي لجمع المذكر السالم، وانظر الإعراب.

تنبيه: ذكرت لك أن يعقوب عليه السّلام خاف على أولاده من العين، وقد ثبت أن للعين تأثيرا، وقد أقر نبينا وحبيبنا صلّى الله عليه وسلّم ذلك في أحاديثه الشريفة، فمن ذلك قوله: «إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر» ومنه تعوذه صلّى الله عليه وسلّم «أعوذ بكلمات الله التّامّة، من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة». وهذا الحديث رواه البخاري وأصحاب السنن. انتهى. جمل. عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، وعنه أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «العين حقّ، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين». رواه مسلم، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى، كما قال جل شأنه: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ}.

هذا؛ ويروى أن عامر بن ربيعة أصاب أبا سهل بن حنيف بالعين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت، إنّ العين حقّ. توضّأ له». ومعنى بركت: هلا قلت:

تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه، ومفهومه: أن التبريك يدفع أذى العين، ومن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>