للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَغْفِرُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهِ} ومفعوله محذوف، تقديره: يغفر الذنوب.

{لِمَنْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. و (من) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: للّذي، أو لشخص يشاء مغفرته، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق. {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ..}. إلخ: انظر إعراب مثل هذا الكلام ومحلّه في الآية السابقة.

(إليه): جار ومجرور، متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. {الْمَصِيرُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة لا محلّ لها.

{يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩)}

الشرح: {يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا:} انظر الآية رقم [١٥]. {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أي: على انقطاع من الرّسل بين محمّد، وعيسى، عليهما الصّلاة والسّلام. والمعنى:

مضت للرّسل مدّة قبل محمّد صلّى الله عليه وسلّم. واختلف في مقدار هذه المدّة: كم هي؟ فالمعتمد: أنّها بين عيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم خمسمائة سنة وتسعا وستين. ذكره الكلبي. وقال قتادة: كانت ستمائة سنة. رواه البخاريّ عن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-. وذكر ابن سعد عن عكرمة قال: بين آدم، ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة، فهذا ما بين آدم، ومحمد-عليهما السّلام-من القرون، والسنين.

انتهى قرطبي. كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا أولى النّاس بابن مريم؛ لأنّه ليس بيني وبينه نبيّ» وهذا فيه ردّ على من زعم: أنّه بعث بعد عيسى نبيّ يقال له: خالد بن سنان. والمقصود: أنّ الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم على فترة من الرّسل، وطموس من السّبل، وتغيّر الأديان، وكثرة عبادة الأوثان، والنيران، والصّلبان، فكانت النّعمة به أتمّ النّعم، والحاجة إليه أمر عمم، وكان الفساد قد عمّ جميع البلاد، والطّغيان، والجهل قد ظهر في سائر البلاد إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين.

بالإضافة لما ذكرته في الآية السابقة من تخويف النبي صلّى الله عليه وسلّم لليهود، والنصارى، وقولهم:

{نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} أذكر: أنّ معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب-رضي الله عنهم-قالوا لهم: يا معشر اليهود اتقوا الله، فو الله إنكم لتعلمون: أنّه رسول الله! ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرا، ولا نذيرا من بعده، فأنزل الله عزّ وجل الآية الكريمة ردّا عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>