هذا؛ وقال الكسائي: كننت الشيء: سترته، وصنته من الشمس، وأكننته في نفسي:
أسررته. وقال أبو زيد: كننته، وأكننته بمعنى في الكن، وفي النفس جميعا، تقول: كننت العلم، وأكننته فهو مكنون، ومكنّ، وكننت الجارية، وأكننتها، فهي مكنونة، ومكنّة. وما يحفظ به هذا الشيء المصون المكنون يسمى: كنانا، وجمعه: أكنة بمعنى أغطية، وفي كثير من الايات:
{وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ،} والكن أيضا: ما يحيط بالشيء، ويحفظه، وجمعه: أكنان، قال تعالى في سورة (النحل) فقط: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً}. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} أي: يسأل بعضهم بعضا عن أحواله، وأعماله، وما توجب به نيل ما عند الله، ويتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا، وهو من تمام السرور، والأنس في الجنة. والمعنى: يشربون من خمر الجنة الموصوف بما ذكر، ويطوف عليهم الغلمان الموصوفون بما ذكر، فيتحادثون على الشراب كعادة الشرّاب. قال بعضهم: [الوافر] وما بقيت من اللّذّات إلاّ... أحاديث الكرام على المدام
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم، وعليهم في الدنيا، ويحمدون الله على ما أنعم عليهم، وعلى زوال الخوف عنهم، ويقول بعضهم لبعض: بم نلت هذه المنزلة الرفيعة؟! وقد جيء بالفعل ماضيا على سنة الله تعالى في التعبير عن المستقبل بالماضي؛ لتحقق وقوعه.
هذا؛ وتساؤل المؤمنين في الجنة غير تساؤل الكافرين، والظالمين في النار، فإن تساءلهم توبيخ لبعضهم بعضا. انظر ما ذكرته في سورة (الصافات) رقم [٢٧] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب: {وَيَطُوفُ:} الواو: حرف عطف. (يطوف): مضارع. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {غِلْمانٌ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {غِلْمانٌ}. {كَأَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {لُؤْلُؤٌ:} خبر (كأن). {مَكْنُونٌ:} صفة {لُؤْلُؤٌ،} والجملة الاسمية:
{كَأَنَّهُمْ..}. إلخ صالحة للوصفية، والحالية من {غِلْمانٌ}. {وَأَقْبَلَ:} الواو: حرف عطف. (أقبل):
ماض. {بَعْضُهُمْ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها. {عَلى بَعْضٍ:} متعلقان بما قبلهما، وجملة: {يَتَساءَلُونَ:} في محل نصب حال من: {بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ،} فهي حال متداخلة، والرابط: الضمير فقط.
{قالُوا إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)}
الشرح: {قالُوا} أي: قال كل مسؤول منهم لسائله. {إِنّا كُنّا قَبْلُ} أي: في الدنيا. {فِي أَهْلِنا:} بين أهلنا. {مُشْفِقِينَ:} خائفين من عذاب الله، أو خائفين من نزع الإيمان، وفوت