للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم على المنبر: «إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم إلا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها». رواه مسلم، وغيره، والتكرار وارد في الكلام العربي نثره، ونظمه، وهو كثير لا يعد، ولا يحصى.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: قالت قريش للنبي صلّى الله عليه وسلّم نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة. ونزوجك من شئت، ونطأ عقبك؛ أي: نمشي خلفك؛ وتكف عن شتم آلهتنا! فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة، هي لنا ولك صلاح تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة، ونحن نعبد إلهك سنة، فنزلت السورة، فكان التكرار في {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ؛} لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة. والله أعلم. انتهى. قرطبي. وانظر شرح (الكافر) في سورة (الدهر) رقم [٤]، وشرح (الدين) في آخر سورة (الانفطار)، وشرح (العبادة) في الآية رقم [٥] من سورة (البينة).

هذا؛ وقيل: قال له كفار قريش: اعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة. أو اعبد آلهتنا شهرا، ونعبد إلهك شهرا، فنزلت السورة الكريمة تردّ عليهم الحالتين، فلا يكون تكرار على هذا. وهذا جيد جدا! والله أعلم.

تنبيه: {ما} في هذه السورة يجوز فيها وجهان: أحدهما: أنها بمعنى «الذي»، فإن كان المراد بها الأصنام، كما في الأولى، والثالثة؛ فالأمر واضح؛ لأنهم غير عقلاء، و {ما} أصلها أن تكون لغير العقلاء، وإذا أريد بها الباري تعالى، كما في الثانية، والرابعة، فاستدل به من جوز وقوعها على أولي العلم، ومن منع جعلها مصدرية، والتقدير: ولا أنتم عابدون عبادتي؛ أي: مثل عبادتي. مع أن المعنى يجوز اعتبارها مصدرية في بعض الجمل. وقال أبو مسلم:

{ما} في الأوليين بمعنى: «الذي» والمقصود المعبود. وما في الأخريين مصدرية؛ أي: لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك، وترك النظر، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين.

فتحصل من مجموع ذلك ثلاثة أقوال: أنها كلها بمعنى: «الذي» أو مصدرية، أو الأوليان بمعنى: «الذي»، والأخريان مصدريتان. انتهى. جمل.

فائدة:

حيث وقعت (ما) قبل (ليس)، أو (لم)، أو (لا)، أو بعد (إلاّ) فهي موصولة، نحو {ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} {ما لَمْ تَعْلَمُوا} {ما لا تَعْلَمُونَ} و {إِلاّ ما عَلَّمْتَنا،} وحيث وقعت بعد كاف التشبيه فهي مصدرية، وحيث وقعت بعد الباء؛ فإنها تحتملهما. نحو قوله تعالى: {بِما كانُوا يَظْلِمُونَ،} وحيث وقعت بين فعلين، سبقهما علم، أو دراية، أو نظر؛ احتملت الموصولة، والاستفهامية، نحو قوله تعالى: {ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ} وحيث وقعت في القرآن قبل (إلا) فهي نافية إلا في ثلاثة عشر

<<  <  ج: ص:  >  >>