للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو هي تعليل للأمر المقدر، لا محل لها على الاعتبارين، وانظر إعراب مثل: {وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا..}. إلخ في الآية رقم [٧٥].

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (٨٧)}

الشرح: {وَذَا النُّونِ:} هو يونس النبي، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. انظر نسبه وقصته مع قومه في الآية رقم [٩٨] من السورة المسماة باسمه، وإني أبين هنا سبب الغضب والمغاضبة، فقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-في كشافه: برم بقومه لطول ما ذكّرهم، فلم يذّكّروا، وأقاموا على كفرهم، وظن: أن ذلك يسوغ؛ حيث لم يفعله إلا غضبا لله، وأنفة لدينه، وبغضا للكفر وأهله، وكان عليه أن ينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم، فابتلي ببطن الحوت. انتهى. فيكون المعنى: غضب على قومه من أجل كفرهم بربه، فخرج عنهم، وتركهم من غير إذن من الله، وخروجه بدون إذن من الله كان ذنبا منه.

وقالت فرقة منهم الأخفش: إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان على قومه، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أراد شعيا النبي، والملك الذي كان في وقته اسمه: حزقيا أن يبعثوا يونس إلى ملك نينوى، وكان غزا بني إسرائيل، وسبى الكثير منهم؛ ليكلمه؛ حتى يرسل معه بني إسرائيل، وكان الأنبياء في ذلك الزمان يوحى إليهم، والأمر والسياسة إلى ملك قد اختاروه، فيعمل على وحي ذلك النبي، وكان الله قد أوحى لشعيا أن قل لحزقيا الملك أن يختار نبيا قويا أمينا من بني إسرائيل فيبعثه إلى أهل نينوى، فيأمرهم بالتخلية عن بني إسرائيل، فإني ملق في قلوب ملوكهم وجبابرتهم التخلية عنهم، فقال له الملك: من ترى؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، قال: يونس، إنه قوي أمين، فدعا الملك يونس، وأمره أن يخرج، فقال يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا، قال: فهل سماني الله لك؟ قال: لا، قال: فهاهنا غيري أنبياء أقوياء، فألحوا عليه، فخرج مغاضبا لشعيا النبي، وللملك، وقومه، فأتى بحر الروم، وكان من قصته ما كان، فابتلي ببطن الحوت لتركه أمر النبي شعيا، والملك حزقيا. هذا؛ ولا تنس: أن (النون) يطلق على كل حوت في أعماق البحر، ويجمع على أنوان، ونينان. هذا؛ والنون: اسم لدواة الحبر، ومنه قول الشاعر: [الوافر]

إذا ما الشّوق برّح بي إليهم... سقيت النّون بالدّمع السّجام

وقيل: ذهب عن قومه مغاضبا لربه لما كشف عنهم العذاب، بعد ما أوعدهم، وكره أن يكون بين أظهر قوم جربوا عليه خلف وعده، وأنه يسمى كذابا، لا كراهية لحكم الله تعالى. وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>