للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)}

الشرح: قال قوم لوط له: أو لم ننهك أن تضيف أحدا من الناس. أو المعنى: ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من العالمين إذا قصدناه بالفاحشة. وكان لوط عليه السّلام يعظهم، ويمنعهم من ذلك بقدر وسعه، بل ويبذل جهده في ذلك، ولمّا أصروا على ما يريدون؛ قال لهم لوط: {هؤُلاءِ بَناتِي..}. إلخ: وما أجدرك أن تنظر ذلك في سورة (هود) عليه السّلام الآية رقم [٧٨] ففيها الدواء الشافي، والغذاء الكافي لمن كان له قلب، أو ألقى السمع؛ وهو شهيد.

{لَعَمْرُكَ:} هذا قسم بحياة المخاطب، والمخاطب بذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: بل المخاطب لوط عليه السّلام، قالت له الملائكة ذلك.

هذا؛ وقال الجمل: وفي الكرخي، وفي «الدر المنثور» للشيخ المصنف: أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، عن رسول الله، قال: (ما حلف الله بحياة أحد إلاّ بحياة محمد، قال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

{إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} أي: ضلالهم وغوايتهم، وقيل: في غفلتهم. {يَعْمَهُونَ:} يتحيرون ويترددون، فكيف يسمعون نصحك، ويقبلون موعظتك؟! والضمير يعود إلى قريش، أو إلى قوم لوط حسب ما رأيت من خلاف في المخاطب. هذا؛ و «العمه»: التحير والتردد، وهو قريب من العمى، لكن العمى يطلق على ذهاب نور العين، وعلى الخطأ في الرأي، والعمه لا يطلق إلا على الثاني.

وفي المصباح «عمه، عمها» من باب: «تعب»: إذا تردد متحيرا، و «تعامه» مأخوذ من قولهم: أرض عمهاء إذا لم يكن فيها أمارات تدل على النجاة، فهو عمه، وأعمه، وهذا الفعل لم أر له ماضيا، ولا أمرا، فيظهر: أنه فعل جامد، لا يأتي منه غير المضارع، وإن ذكر له في كتب اللغة ماض؛ لكنه لم يستعمل، ولم يتداول.

تنبيه: «لعمرك»: كلمة تستعمل في القسم من: عمر الرجل بكسر الميم يعمر عمرا بفتح العين، وضمها؛ إذا عاش زمنا طويلا، ومعناه: أحلف بحياتك، فمفتوح العين إذا دخلت عليه اللام، رفع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبا، وإن لم تدخل عليه اللام نصب نصب المصادر، والرفع قليل، فيقال: عمر الله ما فعلت كذا، وعمرك الله ما فعلت كذا، قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الخفيف]

أيّها المنكح الثّريّا سهيلا... عمرك الله كيف يلتقيان؟

وقد يقرن به حرف القسم، كما في قول عمر أيضا: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>