الشرح: بعد أن هاجر لوط مع عمه إبراهيم من العراق إلى فلسطين، واستقر به المقام أرسله الله إلى أهل «سدوم» يدعوهم إلى الله، وينهاهم عن فعلهم القبيح، وهو إتيان الرجال في أدبارهم، وقد ذكرت قصة لوط بتمامها في عدة سور باختلاف يسير، وبعضها يكمل بعضا، وتلخص: أن قوم لوط كانوا من الشر بمكان، وأنهم كانوا يقطعون السبيل على المارة، وقد ذهب الحياء من وجوههم، فلا يستقبحون قبيحا، ولا يرغبون في حسن، كما قال تعالى:{وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} وكانوا قد ابتدعوا من المنكرات ما لم يسبقهم إليه أحد من خلق الله، وذلك: أنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين شهوة من دون النساء، يستعلنون بذلك، ولا يستسرّون، ولا يرون في ذلك سوءا، أو قبحا، وإن لوطا عليه السّلام قد وعظهم، ونصحهم، ونهاهم، وخوفهم بأس الله تعالى، فلم يأبهوا، ولم يرتدعوا، فلما ألح عليهم بالعظات والإنذار؛ هددوه، وتوعدوه تارة بالرجم، وتارة بالإخراج من بينهم، إلى أن جاء لوطا الملائكة، الذين ذكرهم الله في سورة (هود)، وسورة (الحجر)، وهذه السورة، وغيرها، وقد جاءوا إلى لوط بهيئة غلمان مرد، حسان الوجوه، فجاء أهل القرية إلى بيت لوط طالبين ضيوفه الكرام؛ ليفعلوا فيهم الفاحشة، وقد جهد لوط في ردهم، وبالغ في ذلك؛ حتى طلب إليهم أن يأخذوا بناته بدل ضيوفه، فلم يصغوا إليه.
حينئذ التفت لوط إلى ضيوفه الكرام، وقال:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: لجاهدتهم بكم، وأوقعت بهم ما يستحقون، وكان لا يعلم: أنهم ملائكة إلى ذلك الحين، وحينئذ أعلمه الملائكة بحقيقة أمرهم، وأنهم جاءوا للتنكيل بأولئك القوم الخبثاء، ولما حاول أهل القرية أخذ أولئك المردان بالقوة، وهجموا على بيت لوط، طمس الله أعينهم، فلم يبصروا، ولم يهتدوا إلى مكان يقتحمون منه عليه، وعلى من معه، قال تعالى في سورة (القمر): {وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ}.