للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)}

الشرح: {يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} أي: بالمعاقبة بينهما، أو بنقص أحدهما، وزيادة الآخر، تبعا لفصول السنة، أو بتغيير أحدهما بالحر، والبرد، والظلمة، والنور، وكل ذلك مشاهد، وقيل: تقليبهما باختلاف ما يقدر فيهما من خير، وشر، ونفع، وضر. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: في الذي ذكر، من تقلب الليل، والنهار، وأحوال المطر، والصيف، والشتاء. {لَعِبْرَةً:} اعتبارا، وعظة، وتذكرة. {لِأُولِي الْأَبْصارِ} أي: لأهل العقول السليمة، والبصائر النيرة، فيستدلون بذلك على قدرة الله وتوحيده.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى: «يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل، والنهار». متفق عليه، ومعنى هذا الحديث:

أن العرب كانوا يقولون عند النوازل، والشدائد: أصابنا الدهر، ويذمونه في أشعارهم، فقيل لهم: لا تسبوا الدهر، فإن فاعل ذلك هو الله عز جل، والدهر مصرّف تقع فيه التأثيرات، كما تقع بكم.

تنبيه: لقد عدد الله في هذه الآيات من الدلائل على وحدانيته وقدرته ما فيه عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يتذكر، حيث ذكر تسبيح من في السموات والأرض، وكل ما يطير بين السماء والأرض، ودعاءهم له، وابتهالهم إليه، وأنه سخر السحاب التسخير الذي وصفه، وما يحدث فيه من أفعاله؛ حتى ينزل المطر منه، وأنه يقسم رحمته بين خلقه، ويقبضها، ويبسطها على ما تقتضيه حكمته، ويريهم البرق في السحاب، الذي يكاد يخطف أبصارهم؛ ليعتبروا، ويحذروا، ويعاقب بين الليل، والنهار، ويخالف بينهما في الطول، والقصر، وما هذه إلا براهين في غاية الوضوح على وجوده، وقدرته، ودلائل منادية على كمال صفاته لمن نظر، وفكر، وتبصر، وتدبر. انتهى. كشاف بتصرف.

الإعراب: {يُقَلِّبُ:} مضارع. {اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.

{اللَّيْلَ:} مفعول به. (النهار): معطوف على ما قبله. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {فِي ذلِكَ:}

متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) تقدم على اسمها، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {لَعِبْرَةً:} اللام: لام الابتداء. (عبرة): اسم (إنّ) مؤخر. {لِأُولِي:} متعلقان بمحذوف صفة (عبرة)، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و (أولي) مضاف، و {الْأَبْصارِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ مستأنفة أيضا لا محل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>