للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١)}

الشرح: {إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً:} بعثنا نوحا رسولا إلى قومه. هذا؛ وقوم: اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: نفر، ورهط، ومعشر... إلخ، فإن المفرد لهذه الأسماء إنما هو: رجل، وجمعها: أقوام، وأراهط، ومعاشر. هذا؛ وقوم يطلق على الرجال دون النساء بدليل قوله تعالى في سورة (الحجرات) رقم [١١]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}. وقال زهير بن أبي سلمى المزني: [الوافر]

وما أدري وسوف إخال أدري... أقوم آل حصن أم نساء؟

وربما دخل فيه النساء على سبيل التبع للرجال، مثل هذه الآية؛ لأن إرسال الرسل لأقوامهم يعم الرجال، والنساء، وإن كل لفظ (قوم) في القرآن، إنما يراد به الرجال، والنساء، وهو يذكر، ويؤنث. قال تعالى في غير ما آية: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} وتأنيثه باعتبار المعنى، وهو: أنهم أمة، وطائفة، وجماعة، وسموا قوما؛ لأنهم يقومون مع داعيهم بالشدائد، والمتاعب، إما بالمعاونة على كشفها، وإما بالمضايقة والإيذاء إن عارضوه، وهذا حال أعداء الخير، والإصلاح في كل زمان ومكان.

{أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ:} خوفهم عقاب الله، وانتقامه منهم؛ إن هم أصروا على الكفر.

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:} عذاب الآخرة، أو الطوفان، فكان يدعو قومه، وينذرهم، فلا يرى منهم مجيبا، وكانوا يضربونه؛ حتى يغشى عليه، فيقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».

هذا؛ وأتى، يأتي يستعمل لازما، إن كان بمعنى: حضر، وأقبل، مثل قولك: حضر زيد، وقوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}. ويستعمل متعديا إن كان بمعنى: وصل، وبلغ، وهو ما في الآية الكريمة، ومثلها كثير، ومثل أتى: جاء في التعدي واللزوم، فمن المتعدي قوله تعالى:

{إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ،} ومن اللازم قوله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}.

هذا؛ و {عَذابٌ} اسم مصدر لا مصدر؛ لأن المصدر: تعذيب؛ لأنه من: عذب، يعذب بتشديد الذال فيهما. وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، ومثله: سلام، وعطاء، ونبات ل‍: سلّم، وأعطى، وأنبت.

أما قوله تعالى: {إِنّا أَرْسَلْنا} فإن ظاهره يفيد الجمع، أو الجماعة، وهذا التعبير كثير في كتاب الله، فقد قال ابن تيمية-رحمه الله تعالى-في كتابه: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح): قوله تعالى: «جعلنا، وهبنا، نحن، إنا». لفظ يقع في جميع اللغات على من له شركاء، وأمثال، وعلى الواحد المطاع، الذي له أعوان يطيعونه؛ وإن لم يكونوا له شركاء، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>