الشرح:{وَمِنَ النّاسِ..}. إلخ: لما أثبت الله وحدانية بالدلائل السابقة؛ بيّن: أنّ بعض الناس لم يعتقدها، ولم يؤمن بها، بل سلك طريق الإشراك سفها، وغباوة، وجهلا، فقال:
{وَمِنَ النّاسِ..}. إلخ: أي: بعض الناس يتخذ آلهة من دون الله يعبدونها، ويقدّسونها، ويعظّمونها كما يعظم المؤمنون ربّهم، ويقدّسونه، و {أَنْداداً} جمع: ند، انظر الآية [٢٢]. هذا والحبّ، والمحبّة: ميل القلب، استعير لحبّة القلب، ثمّ اشتقّ منه الحبّ؛ لأنه أصابها، ورسخ فيها، ومحبّة العبد لله تعالى: إرادة طاعته، وتحصيل مراضيه، والابتعاد عن معاصيه، ومناهيه، ومحبّة الله للعبد: إرادة إكرامه، واستعماله في الطاعة، وصرفه عن المعاصي، وإغداق رحمته، وجوده، وكرمه، وإحسانه عليه، قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [٥٤]: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ} أي: أثبت، وأدوم على محبّته، لا يختارون على الله سواه، لا في شدّة، ولا في رخاء، ولا في سرّاء، ولا في ضرّاء، والمشركون يعدلون عن آلهتهم في الشّدائد، ويقبلون على الله، قال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٦٥]: {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ،} وقال جلّ ذكره في سورة (لقمان) رقم [٣٢]: {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ،} وكان المشركون أيضا إذا اتّخذوا صنما، ثم رأوا آخر أحسن؛ طرحوا الأوّل، واختاروا الثاني، وكان بعضهم يصنع الصّنم من الزّبد، والحلوى في أوقات السّنة، فإذا جاعوا؛ أكلوه.
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا..}. إلخ؛ أي: ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، والمعاصي عند رؤية العذاب حين يقذف بهم في النار؛ لعرفوا مضرّة الكفر، وأنّ ما اتّخذوه من الأصنام لا ينفعهم، وعلموا، وأيقنوا: أنّ القوة، والعزّة لله جميعا، ولشاهدوا: أنّ الأمر ليس على ما كانوا عليه من الشّرك، والجحود، واتّباع تزيين الشّياطين لهم.
قال أبو عبيد: المعنى: لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة؛ لعلموا حين يرونه:
أن القوة لله جميعا. و {يَرَى} على هذا من رؤية البصر، وضعّف هذا التقدير محمد بن يزيد، واستبعده؛ لأنه يجعل العذاب مشكوكا فيه، وقد أوجبه الله تعالى، ولكنّ التقدير:«ولو يرى الذين ظلموا: أنّ القوّة لله» أولى، وهو قول الأخفش، وانظر الإعراب، ولم يأت ل (لو) جواب، قال الزهري، وقتادة: الإضمار أشدّ للوعيد. هذا؛ ويقرأ بالتاء:(«ترى»)، والمعنى يكون