للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاِسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)}

الشرح: {ثُمَّ أَفِيضُوا..}. إلخ: الخطاب لقريش المسمّون في الجاهلية الحمس، فإنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات، بل كانوا يقفون بالمزدلفة، وهي من الحرم، وكانوا يقولون:

نحن قطين الله، فينبغي لنا أن نعظّم الحرم، ولا نعظم شيئا من الحل، وكانوا مع معرفتهم، وإقرارهم: أنّ عرفة موقف إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-لا يخرجون من الحرم، ويقفون ب‍ «جمع» ويفيضون منه، ويقف الناس ب‍ «عرفة» فقيل لهم: أفيضوا مع الناس.

وقال الضحاك-رحمه الله تعالى-: المخاطب بالآية جميع الأمّة، والمراد بالناس: إبراهيم عليه السّلام، كما قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٧٣]: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} فالمراد بالناس الأولى: شخص واحد. انظر الآية هناك، فإنّه جيد، والحمد لله!.

فلمّا جاء الإسلام أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي عرفة، فيقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ} والمراد بالإفاضة هاهنا الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار، وهذا بعد الإفاضة من عرفة، ويحتمل أن يكون المراد: ثمّ أفيضوا من عرفة... إلخ.

والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقرئ: («من حيث أفاض النّاس») بكسر السين، يريد آدم، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وهي صفة غلبت عليه، كالعباس، والحارث، ودلّ عليه قوله تعالى في سورة (طه): {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}. {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ:} اطلبوا منه المغفرة. والسين، والتاء للطلب، وذلك لمخالفتكم في الموقف، ونحو ذلك ممّا كنتم تفعلونه في جاهليتكم، أو من تقصيركم في أعمال الحجّ. هذا؛ و «استغفر» يتعدّى لاثنين، أولهما بنفسه، والثاني ب‍ «من» نحو: استغفرت الله من ذنبي، وقد يحذف حرف الجر، كقول الشاعر، وهو الشاهد رقم [٤٨٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [البسيط]

أستغفر الله ذنبا لست محصيه... ربّ العباد إليه الوجه والعمل

فائدة: كثيرا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات، كما في هذه الآية؛ حيث أمر بالاستغفار بعد الوقوف بعرفة، والإفاضة منها، وقد ثبت في صحيح مسلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر ثلاثا، وفي الصّحيحين: أنّه ندب إلى التسبيح، والتحميد، والتكبير ثلاثا وثلاثين بعد كلّ صلاة، وقد روى ابن جرير-رحمه الله تعالى-استغفاره صلّى الله عليه وسلّم لأمته عشية عرفة. وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن أبا بكر-رضي الله عنه-قال: يا رسول الله! علّمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: «قل: اللهمّ إنّي ظلمت نفسي

<<  <  ج: ص:  >  >>