للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاقبهم على قليله، وكثيره لا محالة، أو لكل من توهم غفلته جهلا بصفاته، واغترارا بإمهاله.

وقيل: إنه تسلية للمظلوم، وتهديد للظالم. {إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ} أي: يؤخر عقاب الظالمين والانتقام منهم. {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ} أي: لا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم، قاله الفراء:

يقال: شخص الرجل بصره، وشخص البصر نفسه؛ أي: سما، وطمح من هول ما يرى. قال ابن عباس: تشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة، فلا يرمضون.

قال الخازن: الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور. وقيل: حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ، والتيقظ، وهذا في حق الله محال، فلا بد من تأويل الآية، فالمقصود منها: أنه سبحانه وتعالى ينتقم من الظالم للمظلوم، ففيه وعيد، وتهديد للظالم، وإعلام له بأنه لا يعامله معاملة الغافل عنه، بل ينتقم منه، ولا يتركه مغفلا. انتهى.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف استئناف. (لا): ناهية جازمة. {تَحْسَبَنَّ:} مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم ب‍: (لا)، ونون التوكيد حرف لا محل له، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {اللهَ:} منصوب على التعظيم. {غافِلاً:} مفعول به ثان، وفاعله مستتر فيه. {عَمّا:} متعلقان ب‍: {غافِلاً،} و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب‍: (عن)، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: عن الذي، أو عن شيء يعمله الظالمون، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب‍: (عن)، التقدير: من عمل الظالمين. {إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {يُؤَخِّرُهُمْ:} مضارع، والفاعل يعود إلى الله، وقرئ بالنون، فيكون الفاعل تقديره: «نحن» والهاء مفعول به. {لِيَوْمٍ:} متعلقان بما قبلهما، وجملة: {تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ} في محل جر صفة يوم، والرابط: الضمير المجرور محلا بفي، والجملتان {(لا تَحْسَبَنَّ...)} و {إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ..}. إلخ مستأنفتان لا محل لهما من الإعراب، وفي الثانية معنى التعليل للنهي.

{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)}

الشرح: {مُهْطِعِينَ:} مسرعين، ومنه قوله تعالى في سورة (القمر): {مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ} وقال الشاعر: [الوافر]

بدجلة دارهم ولقد أراهم... بدجلة مهطعين إلى السّماع

فعلى هذا المعنى: أن الغالب من حال من بقي بصره شاخصا من شدة الخوف أن يبقى واقفا باهتا، فبيّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، وفي آية (القمر): أن أحوال أهل الموقف يوم القيامة بخلاف الحال المعتادة، فأخبر سبحانه وتعالى: أنهم مع شخوص الأبصار يكونون

<<  <  ج: ص:  >  >>