للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهطعين نحو الداعي. وقيل: المهطع: الخاضع الذليل الساكت. انتهى خازن. والمراد ب‍: (الداعي) الذي ذكرته إسرافيل عليه السّلام قال تعالى في سورة (ق): {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} فيقول: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.

وقال مجاهد، والضحاك: أي: مديمي النظر، قال أبو عبيد: وقد يكون الوجهان جميعا، يعني: الإسراع مع إدامة النظر. {مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ} أي: رافعي رءوسهم ينظرون في ذلّ، وإقناع الرأس: رفعه، قاله ابن عباس، ومجاهد-رضي الله عنهما-وهذا بخلاف المعتاد لأن من يتوقع البلاء فإنه يطرق ببصره إلى الأرض.

وقال المهدوي: ويقال: أقنع: إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ رأسه ذلة وخضوعا، والآية محتملة الوجهين. انتهى قرطبي. وعليه فهو من الأضداد.

قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد، وهو قوله تعالى:

{لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة الخوف، فهي شاخصة لا ترتد إليهم، قد شغلهم ما بهم. انتهى. خازن.

أقول: وهنا يجدر بالذكر قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه الشيخان عن عائشة-رضي الله عنها-:

«يحشر الناس حفاة عراة غرلا». قالت عائشة: فقلت: الرجال والنّساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «الأمر أشدّ من أن يهمّهم ذلك-وفي رواية-: من أن ينظر بعضهم إلى بعض».

{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} أي: قلوبهم خاوية خربة متخوفة ليس فيها خير، ولا عقل، ولا فهم لفرط الحيرة والدهشة، ومنه يقال للأحمق وللجبان: قلبه هواء؛ أي: لا رأي فيه، ولا قوة، ومنه قول حسان -رضي الله عنه-: [الوافر]

ألا أبلغ أبا سفيان عنّي... فأنت مجوّف نخب هواء

وقال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً} أي: من كل شيء إلا من همّ موسى، هذا، والهوى يقصر ويمد، والمراد بالأول: الحب، والعشق، والغرام، وهو أيضا محبة الإنسان للشيء، وغلبته على قلبه، ومنه قوله تعالى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى} وقوله جل ذكره: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} أي: نهاها عن شهواتها، وما تدعو إليه من معاصي الله تعالى، ويراد بالممدود: ما بين السماء والأرض، وقد جاء الهواء بمعنى: العشق ممدودا في الشعر، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وهان على أسماء أن شطّت النّوى... نحنّ إليها والهواء يتوق

وإليك هذين البيتين، فإنهما من النكت الحسان: [الكامل]

جمع الهواء مع الهوى في مهجتي... فتكاملت في أضلعي ناران

فقصرت بالممدود عن نيل المنى... ومددت بالمقصور في أكفاني

<<  <  ج: ص:  >  >>