قَلِيلاً أي: مهما تعلمتم؛ فعلمكم بجانب علم الله تعالى قليل، بل هو طفيف لا قيمة له، والمراد: بذلك العالم كله. روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال لليهود ذلك. قالوا: نحن مختصون بهذا الخطاب؟ فقال:«بل نحن، وأنتم». فقالوا: ما أعجب شأنك! ساعة تقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} الآية [٢٦٨] من سورة (البقرة) وساعة تقول: هذا فنزل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ} الآية رقم [٢٧] من سورة (لقمان). وما قالوه دليل على سوء فهمهم؛ لأن الحكمة الإنسانية أن يعلم العبد من الخير، والحق ما تسعه الطاقة البشرية، بل ما ينتظم به معاشه، ومعاده، وهو بالإضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل، ينال به خير الدارين، وهو بالإضافة إليه كثير. انتهى. بيضاوي بتصرف. وأخيرا أقول: إن السؤال في هذه الآية سؤال تعنت، وامتحان، بخلافه في أول سورة (الأنفال)، فإنه سؤال استفهام، واستفتاء.
الإعراب:{وَيَسْئَلُونَكَ:} الواو: حرف عطف. (يسألونك): مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو فاعله، والكاف مفعول به. {عَنِ الرُّوحِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني؛ لأن الفعل:«سأل» تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسئول، فيتعدى للثاني ب:«عن» كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال، ونحوه، فيتعدى لاثنين صريحين، نحو: سألت زيدا مالا، والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة؛ إذ التقدير:
سألوك كثيرا، ويسألونك عن الروح، والكلام كله مستأنف، لا محل له. {قُلِ:} أمر، وفاعله:
أنت. {الرُّوحِ:} مبتدأ. {مِنْ أَمْرِ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، و {أَمْرِ:} مضاف، و {رَبِّي:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم... إلخ، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والياء في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية:
{الرُّوحِ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلِ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {أُوتِيتُمْ:} ماض مبني للمجهول مبني على السكون، والتاء نائب فاعله، وهو المفعول الأول. {مِنَ الْعِلْمِ:} متعلقان بما قبلهما. إلا:
حرف حصر. {قَلِيلاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية مستأنفة، وهي في محل نصب مقول القول، وفي الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرئ «(وما، أوتوا)» فلا يكون التفات في الكلام. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: معنى الآية: إن شئنا ذهبنا بالقرآن الذي أوحيناه إليك، ومحوناه من الصدور والمصاحف، فلم نترك له أثرا، وبقيت كما كنت ما تدري ما الكتاب، ثم لا تجد بعد ذهابنا به من يتوكل علينا باسترداده عليك مسطورا محفوظا.