للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدعها وخالف ما استطعت فإنّما... هواك عدوّ والخلاف صديق

ولأبي عبيد الطوسي-رحمه الله تعالى-قوله: [الرجز]

والنفس إن أعطيتها مناها... فاغرة نحو هواها فاها

وقال سهل بن عبد الله التستري: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك. وللعلماء في هذا الباب في ذم الهوى، ومخالفته كتب، وأبواب أشرنا إلى ما فيه كفاية منه، وحسبك الآيات التي نحن بصدد شرحها.

هذا؛ و {الْمَأْوى} المقر، والملجأ. قال الجوهري: المأوى: كل مكان يأوي إليه شيء ليلا كان، أو نهارا، وقد أوى فلان إلى منزله يأوي أويا، وإواء، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول ابن نوح-على نبينا، وحبيبنا وعلى نوح ألف صلاة، وألف سلام-: {قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ}. وآويته أنا إيواء، وأويته: إذا أنزلته بك بمعنى، و «المثوى» بمعناه في كل ما تقدم، ويفرق بينهما: أن المثوى مكان الإقامة المنبثة عن المكث، وأما المأوى فهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان، ولو موقتا، والقرينة تبين طول المكث، كما في الآيات الكثيرة؛ التي تنص: أن النار مأوى الكافرين، والظالمين، والفاسدين المفسدين الذين يدّعون الإسلام، والإسلام منهم براء. وقدم المأوى على المثوى في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٥١]: {وَمَأْواهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ؛} لأنه على الترتيب الوجودي يأوي، ثم يثوي.

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥)}

الشرح: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سأل مشركو مكة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متى تكون الساعة استهزاء؟ فأنزل الله عز وجل الآية. هذا؛ و «سأل» تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسؤول، فيتعدى ب‍: «عن» كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال، ونحوه، فيتعدى لاثنين، نحو: سألت زيدا مالا. {أَيّانَ مُرْساها:} متى وقوعها؟ وقيل: متى إثباتها، واستقرارها؟ ورسو الشيء: ثباته، واستقراره، ومنه: رسا الجبل، وأرسى السفينة. وهذا على فتح الميم، والأول على ضم الميم، وعلى الاعتبارين فالجملة استعارة تصريحية. وهذه الجملة مذكورة في سورة (الأعراف) برقم [١٨٧]، وقال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٦٣]: {يَسْئَلُكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ..}. إلخ.

فقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية بأن يجيبهم بقوله: {إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ،} وفي آية (الأعراف) بأن يجيبهم بقوله: {إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ} وهذا السؤال تكرر من المشركين ومن اليهود، وقوله تعالى في كثير من السور: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>