للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برهان قاطع على ذلك، ومعنى: {إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ} أي: لا يطلع عليه ملكا، ولا نبيا؛ لأنه تعالى استأثر به.

{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها} أي: ليس علمها إليك حتى تذكرها لهم؛ لأنها من الغيوب التي استأثر الله بعلمها، فلماذا يسألونك عنها، ويلحون في السؤال؟ هذا؛ وروى الزهري عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-قال: لم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل عن الساعة حتى نزلت: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} أي: منتهى علمها، فكأنه عليه الصلاة والسّلام لما أكثروا عليه السؤال سأل الله أن يعرفه ذلك، فقيل له: لا تسأل، فلست في شيء من ذلك. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٧]: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها} أي: عالم بها كثير السؤال عنها.

{إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} أي: منتهى علمها، لا يعلم متى تقوم إلا هو. {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} أي: لم تبعث يا محمد لتعلمهم بوقت الساعة، وتحديده، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها، وخص الإنذار بمن يخشى؛ لأنهم المنتفعون به، وإن كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم منذرا ومخوفا لكل مكلف.

تنبيه: الساعة: القيامة سميت بذلك؛ لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة، لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى. وقيل: سميت ساعة لسرعة الحساب فيها؛ لأن حساب الخلائق يوم القيامة يكون في ساعة، أو أقل من ذلك. قال تعالى في كثير من الآيات: {فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} ولا تنس: أن ساعة كل إنسان، وقيامته وقت مقدمات موته، وما فيه من أهوال، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«من مات فقد قامت قيامته». وقيل: سميت الساعة بذلك؛ لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، وقد ثبت: أن لقيام الساعة علامات، وهي صغرى، وكبرى، فالصغرى قد ظهر جميعها، كقبض العلم الشرعي، وتقارب الزمان، وفيض المال، وكثرة الزلازل، وكثرة القتل، وتطاول البدو في البنيان، وكثرة الفجور، والفسوق، وغير ذلك مما هو واقع، ومشاهد الآن.

أما العلامات الكبرى فخذها مما يلي، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري-رضي الله عنه-قال:

طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نتذاكر الساعة، فقال: «ما تذاكرون؟». قالوا: نتذاكر الساعة قال: «إنّها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج، ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم». أخرجه مسلم.

أقول: ما ذكر في الحديث الشريف بعضه من علاماتها، وبعضه من مبادئها، كخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك يغلق باب التوبة، ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، انظر الآية رقم [١٥٨] من سورة (الأنعام).

<<  <  ج: ص:  >  >>