للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧)}

الشرح: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ..}. إلخ انظر الآية السابقة. {فَفِي رَحْمَتِ اللهِ:} جنته، وثوابه؛ الذي لا ينقطع. والجنّة: هي رحمة الله الخالدة. فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «احتجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: فيّ الجبّارون، والمتكبّرون. وقالت الجنّة:

فيّ ضعفاء المسلمين، ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنّك الجنّة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنّك النّار عذابي أعذّب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها». رواه مسلم.

هذا؛ وإن الله-عز وجل-ذكر في الآية السّابقة: أن سواد وجوه الكافرين في الآخرة، وإذاقتهم العذاب الأليم إنّما هو بسبب كفرهم، وذكر في هذه الآية: أن بياض وجوه المؤمنين، وإدخالهم جنّات النعيم إنّما هو برحمة الله، ومحض كرمه، تنبيها على أنّ المؤمن-وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى-لا يدخل الجنة إلا برحمته، وفضله. وإليك ما يلي:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يدخل أحدا عمله الجنّة».

قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا؛ إلاّ أن يتغمّدني الله بفضله، ورحمته! فسدّدوا، وقاربوا». أخرجه البخاريّ. بعد هذا انظر المقابلة في الآية رقم [٥٧] هذا؛ وكان من حقّ الترتيب أن يقدّم ذكر المؤمنين، ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام، وانتهاؤه حلية المؤمنين، وثوابهم، وهو ما يعبّر عنه في البلاغة بحسن المطلع، وحسن الانتهاء، كما يعبّر عنه باللّف، والترتيب، والنشر المشوّش، وكرّر الله كلمة (في) لأن في كلّ واحدة منهما معنى غير الأخرى، المعنى: أنهم في رحمة الله، وأنّهم في الرّحمة خالدون.

الإعراب: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ:} الإعراب مثل الآية السابقة بلا فارق. {فَفِي:}

الفاء: واقعة في جواب (أمّا). (في رحمة): متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ، التقدير: فهم في رحمة، و {رَحْمَتِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الاسمية هذه في محل رفع خبر المبتدأ، وهي جواب (أمّا) و (أمّا) ومدخولها معطوف على ما قبله في الآية السابقة، لا محلّ له مثله. {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السّكون في محل رفع مبتدأ.

{فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {خالِدُونَ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة مفيدة للتوكيد، كأنّه قيل: كيف يكونون فيها؟ فقال: {هُمْ فِيها خالِدُونَ،} ولا يلتفت لمن يقول:

(في رحمة) متعلقان ب‍: {خالِدُونَ}.

{تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨)}

الشرح: {تِلْكَ..}. إلخ؛ أي: الواردة في وعده، ووعيده، المبيّنة لنعيم الأبرار، وتعذيب الكفار. {نَتْلُوها:} نقرؤها. {عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} الواضح؛ الذي لا ارتياب فيه، ولا شكّ. {وَمَا اللهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>