للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَعْقِلُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها، والجملة المقدرة: أيشفعون... إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

تنبيه: مثل هذه الآية في تركيبها، وإعرابها الآية رقم [١٧٠] من سورة (البقرة)، ورقم [١٠٤] من سورة (المائدة)، ورقم [٢١] من سورة (لقمان).

{قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤)}

الشرح: {قُلْ:} أمر، وخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً} أي: مالك الشفاعة كلها، ولا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه، ولا يستقل بها أحد، وهو جواب لمن يقول، ويعترض:

كيف قال: {لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً} مع ما جاء في الأخبار، أن للأنبياء، وللعلماء، والشهداء والأطفال شفاعات؟ وإيضاحه: أنه تعالى مختص بها، لا يملكها أحد إلا بتمليكه له، كما قال تعالى في آية الكرسي: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ،} وقال في سورة (الأنبياء) رقم [٢٨]:

{وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى} لكن الذي هو مشروط في الآية شيئان: الملك، والعقل، والشرطان مفقودان في الأصنام التي يعبدونها من دون الله تعالى.

{لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} فهو المتصرف في هذا الكون: فهو المالك له كله، لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه، ورضاه. {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:} يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرّا؛ فشرّ. هذا؛ وإنما قال: {جَمِيعاً} وهو للاثنين فصاعدا؛ والشفاعة واحدة؛ لأن الشفاعة مصدر، والمصدر يؤدي عن الاثنين والجميع. هذا؛ وشفعاء جمع شفيع، والشفاعة: التوسل، وابتغاء الخير، والذي يكون منه التوسل يسمى الشفيع، والشفاعة في الدنيا تكون حسنة، وتكون سيئة، فالأولى هي التي روعي فيها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من حقوق الله. والسيئة هي ما كانت بخلاف ذلك.

وقيل: الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم؛ لأنها بمعنى: الشفاعة إلى الله تعالى، فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا لأخيه بظهر الغيب؛ استجيب له، وقال له الملك: ولك مثل ذلك». فذلك هو النصيب الذي ذكره الله بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} رقم [٨٥] من سورة (النساء).

الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {لِلّهِ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الشَّفاعَةُ:} مبتدأ مؤخر. {جَمِيعاً:} حال من الشفاعة، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {لِلّهِ:} جار ومجرور متعلقان

<<  <  ج: ص:  >  >>