قوله تعالى:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ} وقولك: «هو الحق صريحا أو بينا» وقول سالم بن دارة اليربوعي وهو الشاهد رقم [٣٨٥] من كتابنا فتح ربّ البرية: [البسيط]
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي... وهل بدارة يا للنّاس من عار؟
وهناك الحال اللازمة في قراءة من قرأ قوله تعالى: في سورة (ص) رقم [٢٩](«كتاب أنزلناه إليك مباركا») بالنّصب؛ لأنّ البركة لا تفارق الكتاب، وهو القرآن.
وأخيرا خذ الحال السببية، ولم يذكرها أحد من المفسّرين، ولا المعربين قطعا، ومثالها قوله تعالى في سورة (الأنبياء): {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ،} وقوله تعالى في سورة (المعارج) وفي سورة (ن): {خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} ف {لاهِيَةً} و {خاشِعَةً} حال مما قبلهما في الإعراب، وعند التأمل يتبيّن لك: أنهما حالان ممّا بعدهما، وهذا كما في النعت السببي في قولك: مررت برجال كريم آباؤهم، وبنسوة كريم آباؤهن، فكريم صفة لما قبله في الإعراب، وهو في الحقيقة صفة لما بعده. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجلّ، وأكرم.
{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)}
الشرح:({إِلهُكُمْ}): خطاب عام لجميع الناس، أي: هو المستحقّ منكم العبادة. {واحِدٌ:}
لا شريك له هو الذي يصح أن يعبد، أو يسمى إلها. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:} تقدير للوحدانية، ودفع لأن يتوهم: أنّ في الوجود إلها آخر. سبب نزول هذه الآية: أنّ كفار قريش قالوا: يا محمد! صف لنا ربك، وانسبه! فأنزل الله هذه الآية، وسورة (الإخلاص) ومعنى الوحدة:
الانفراد، وحقيقة الواحد هو الشيء الذي لا يتبعّض، ولا ينقسم، والواحد في صفة الله: أنه واحد، لا نظير له، وليس كمثله شيء. وقيل: واحد في ألوهيته، وربوبيته، ليس له شريك؛ لأنّ المشركين أشركوا معه الآلهة، فكذبهم الله تعالى بقوله:{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} يعني: لا شريك له في مصنوعاته، وواحد في ذاته، لا قسيم له، وواحد في صفاته، لا يشبهه شيء من خلقه.
انتهى خازن.
{الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ:} يعني: أنّه المولى لجميع النّعم، أصولها، وفروعها، فلا شيء سواه بهذه الصّفة؛ لأنّ كلّ ما سواه إمّا نعمة، وإما منعم عليه، وهو المنعم على خلقه، الرّحيم بهم، وعن أسماء بنت يزيد-رضي الله عنها-، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ..}. إلخ، وفاتحة آل عمران: {الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»}. أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وقال: حديث صحيح. وقيل: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن محمدا يقول: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} فليأتنا بآية إن كان صادقا، فأنزل الله الآية التالية. انتهى خازن. وإذا علمت: أنّ السورة مدنية؛ فلم يبق ما عزي إلى المشركين صحيحا. والله أعلم.