للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ:} تعجب، وخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم من أقاويل الكفرة، وتماديهم في الغي، وتصميمهم على الكفر بعد وضوح الحق على ما نطقت به الآيات المتقدمة. {أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ:} سلطنا، أو قيضنا لهم الشياطين، أو المعنى خلّينا الشياطين، والكافرين، ولم نعصمهم منهم. {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي: تغريهم إغراء بالشر، والمعاصي، وذلك بالتسويل، والزخرفة، وتحبيب الشهوات، والمعاصي، والمنكرات. هذا؛ والأز: التهييج، والإغراء. هذا؛ وفي الآية دليل على أنّ ما يفعله العبد إنما هو بتقدير العزيز العليم، وتيسيره له، فهنيئا لمن خلقه الله للإيمان، والخير ويسّره له! وويل ثم ويل لمن تخلى الله عنه، ووكله لشيطانه يتلاعب به! ولكن لا بد للعبد من إرادة للخير، أو إرادة للشر. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧٦]. هذا؛ وانظر (نا) في الآية رقم [٤٩] وشرح الشيطان في البسملة أول سورة (يوسف) عليه السّلام، وشرح {الْكافِرِينَ} في الآية رقم [١٠٧] من سورة (النحل).

الإعراب: {أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.

{تَرَ:} مضارع مجزوم ب‍: (لم)، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {أَنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا):

اسمها، وحذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَرْسَلْنَا:} فعل، وفاعل. {الشَّياطِينَ:}

مفعول به. {عَلَى الْكافِرِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة: {أَرْسَلْنَا..}. إلخ في محل رفع خبر (أن)، و (أن) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي الفعل {تَرَ،} والجملة الفعلية هذه مستأنفة، لا محل لها. {تَؤُزُّهُمْ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {الشَّياطِينَ} والهاء مفعول به. {أَزًّا:} مفعول مطلق، والجملة الفعلية في محل نصب حال من {الشَّياطِينَ} والرابط: الضمير فقط. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)}

الشرح: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} أي: لا تطلب لهم العذاب، وتستعجله. {إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي: نعد لهم آجالهم بالسنين، والشهور، والليالي، والأيام، والساعات، بل والخطوات، واللحظات، والأنفاس، وروي: أن المأمون العباسي قرأ هذه السورة، وعنده جماعة من الفقهاء، فمر بهذه الآية، فأشار إلى ابن السماك أن يعظه، فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد. وقيل في هذا المعنى: [الطويل]

حياتك أنفاس تعدّ فكلّما... مضى نفس منك انتقصت به جزءا

<<  <  ج: ص:  >  >>