للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تَنْزِعُ النّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)}

الشرح: {تَنْزِعُ النّاسَ:} تقلعهم من مواضعهم. قيل: قلعتهم من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصولها. وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: كانت تقلعهم من الأرض، فترمي بهم على رؤوسهم، فتندق أعناقهم، وتبين رؤوسهم عن أجسادهم. وقيل: حفروا حفرا، ودخلوها، فكانت الريح تنزعهم منها، وتكسرهم، وتبقى تلك الحفر كأنها أصول نخل هلك ما كان فيها، فتبقى مواضعها منقعرة. {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ:} جمع: عجز، وهو مؤخر الشيء. هذا؛ والعجوز:

المرأة الطاعنة في السن، وجمعها: عجائز، وعجز. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٢٩] من سورة (الذاريات) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ:} منقلع، ومنقطع من أصله. يقال:

قعرت الشجرة قعرا: قلعتها من أصلها، فانقعرت. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٧]. هذا؛ ويقال هنا أيضا: أجرى (منقعر) على لفظ {نَخْلٍ} وهو من الجمع الذي يذكر، ويؤنث. هذا؛ وقال الجلال: ذكّر هنا، وأنّث في (الحاقة) مراعاة للفواصل في الموضعين، ولا تنس التشبيه التمثيلي في الاية الكريمة حيث شبههم بأعجاز النخل المنقعر. وقال أبو بكر بن الأنباري: سئل المبرد بحضرة إسماعيل القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها، فقيل له: ما الفرق بين قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً} رقم [٨١] من سورة (الأنبياء)، وبين قوله تعالى: {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ} رقم [٢٢] من سورة (يونس)، وما الفرق بين قوله تعالى في سورة (الحاقة): {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ،} وقوله تعالى في سورة (القمر): {أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ؟} فقال: كل ما ورد عليك من هذا الباب، فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيرا، أو إلى المعنى تأنيثا. هذا؛ و {نَخْلٍ:} اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، وهو: نخلة، كتمر وتمرة. وفي مختار الصحاح:

النخل، والنخيل بمعنى واحد، والواحدة: نخلة. وما ألطف قول الشاعر في التورية: [الوافر] رأيت بها قضيبا فوق دعص... عليه النّخل أينع والكروم

فقد ورّى عن المرأة بالقضيب، وعن الحلي بالنخل، وعن قلائدها بالكروم، والدعص بكسر الدال: قطعة من الرمل مستديرة. هذا؛ وفائدة التكرير في هاتين الايتين {فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أن يجدد الكفار، والفجار عند سماع كل نبأ اتعاظا، وهذا حكم التكرير بقوله تعالى في سورة (الرحمن): {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} عند كل نعمة عدها، وقوله تعالى في سورة (المرسلات): {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} عند كل آية أوردها، وكذا تكرير القصص في القرآن، مثل قصة (عاد) و (ثمود) ونحوهما، لتكون العبرة حاضرة، مصورة للأذهان، غير منسية في كل أوان. انتهى. جمل بتصرف مني.

<<  <  ج: ص:  >  >>