الشرح:{وَأَمَّا الْقاسِطُونَ:} الجائرون عن طريق الإيمان، والحق، والصواب. {فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً:} وقودا لجهنم. فإن قيل: الجن مخلوقون من النار، فكيف يكونون حطبا لها، أجيب بأنهم وإن خلقوا منها، لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية، فصاروا لحما، ودما. هكذا قيل.
وأيضا النار قويها قد يأكل ضعيفها، فيكون الضعيف حطبا للقوي. انتهى. جمل بتصرف.
وقال الخازن: فإن قلت: قد تمسك بظاهر هذه الآية من لا يرى لمؤمني الجن ثوابا، وذلك؛ لأن الله تعالى ذكر عقاب الكافرين منهم، ولم يذكر ثواب المؤمنين منهم، قلت: ليس فيه تمسك له، وكفى بقوله تعالى:{فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} فذكر سبب الثواب، والله أعدل، وأكرم من أن يعاقب القاسط، ولا يثيب الراشد. انتهى. هذا؛ وذكرت لك مرارا: أنهم يثابون على الأعمال الصالحة.
الإعراب:{وَأَمَّا:} الواو: حرف استئناف. (أمّا): أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ لأنها قائمة مقام أداة الشرط، وفعله بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل مهما يك من شيء؛ فالقاسطون... إلخ. فأنيبت (أمّا) مناب «مهما، ويك من شيء» فصار: وأما القاسطون... إلخ. وأما كونها أداة تفصيل؛ لأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ لأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لكونها علقته على أمر متيقن. {الْقاسِطُونَ:} مبتدأ. {فَكانُوا:} الفاء: واقعة في جواب (أمّا). (كانوا): فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {لِجَهَنَّمَ:}
جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {حَطَباً،} كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا، على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها؛ صار حالا» وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {حَطَباً:} خبر (كان)، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية (أما القاسطون...) إلخ مستأنفة.
تنبيه: لقد ذكرت لك: أن (أنّا، وأنّهم، وأنّه) ونحو ذلك فيه وجهان: أحدهما: فتح الهمزة على تأويل مصدر في محل رفع عطفا على المصدر المعتبر في محل رفع نائب فاعل في الآية الأولى. وثانيهما: كسر الهمزة على اعتبار الجملة اسمية في محل نصب مقول القول عطفا على قوله تعالى: {إِنّا سَمِعْنا} في الآية الأولى أيضا، ويستثنى من ذلك قوله تعالى:{وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ..}. إلخ، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما..}. إلخ، فهاتان الآيتان معترضتان؛ لأنهما ليستا من كلام الجن.