إن شاء الله تعالى، وفي محلها وجهان: أولها: العطف على ما قبلها، والثاني: الاستئناف، فتكون لا محل لها، وقد سيقت للإخبار بذلك تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
تنبيه: ذكر أبو البقاء في إعراب: {كَذِباً} ما يلي: فقال: يجوز أن يكون: {كَذِباً} مفعول {اِفْتَرى،} وأن يكون مصدرا على المعنى، أي: افتراء، وأن يكون مفعولا من أجله، وأن يكون مصدرا في موضع الحال. أقول: والأول أقواها.
الشرح:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى:} فهذا يقال للمشركين يوم القيامة، والقائل هم الملائكة.
وقيل: هو قول الله تعالى. والأول أقوى؛ لأن هذا الكلام متصل بما قبله، والأول من مقول الملائكة كما رأيت، ولكن إذا عرفت أن الآيات الثلاث السابقة مدنية، وأن هذه الآية، وما بعدها مكية، فيبعد العطف، وإنما الكلام مستأنف، فيصالح للاعتبارين. هذا؛ وقد عبر سبحانه عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه. انظر مبحث هذا في الآية رقم [٥/ ١١٦] فإنه جيد، وانظر (جاء) في الآية رقم [٥]. وقد اختلف في {فُرادى:} هل هو مفرد، أو جمع، أو هو اسم جمع؟ وفي البيضاوي: و {فُرادى} جمع فرد، والألف للتأنيث ككسالى، وقرئ: «(فرادا)» بالتنوين، كغراب، و «(فراد)» كثلاث، و «(فردى)» كسكرى. انتهى. فهذه أربع قراءات الأولى هي المتواترة، والثلاثة بعدها شواذ، كما في السمين. انتهى جمل. والمعنى: منفردين عن الأموال، والأولاد، وسائر ما جمعتموه في الدنيا. أو عن الأعوان، والأصنام؛ التي زعمتم أنها تشفع لكم. {كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: على الهيئة التي ولدتم عليها، أي: حفاة، عراة، غرلا، بهما. وانظر شرح:{أَوَّلَ} في الآية رقم [٢/ ٤١] أو [٧/ ١٤٣] فإنه جيد. {وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ} أي: تركتم الشيء الذي تفضلنا به عليكم في الدنيا، فلم تحملوا منه شيئا إلى الآخرة، قليلا، أو كثيرا. هذا؛ والوراء يأتي بمعنى ما خلف الظهر، وقد يأتي بمعنى أمام، وقدام، قال تعالى:{وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} و {وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} وهو كثير في القرآن الكريم، وفي الشعر العربي، وانظر (نا) في الآية رقم [٧/ ٧]. {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ} أي:
شركاء الله في ربوبيتكم، واستحقاق عبادتكم لهم. وانظر إعلال:{نَرى} في الآية رقم [٥/ ٥٢] وانظر (زعم) في الآية رقم [٤/ ٦٠] فإنه جيد. والمراد ب {شُفَعاءَكُمُ:} الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى. {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} أي: تقطع وصلكم، وتشتت جمعكم. هذا؛ والبين: