قاله أبو البقاء، وقال الجمل نقلا عن السمين: متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير:
هم في جنات، والجملة الاسمية هذه مستأنفة؛ لأنها بمنزلة جواب سؤال نشأ من الاستثناء، كأنه قيل: فما شأنهم، وحالهم؟ {يَتَساءَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدأ الذي رأيت تقديره، أو هي مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وأجاز السمين تعليق الجار والمجرور {فِي جَنّاتٍ} بالفعل {يَتَساءَلُونَ}. {عَنِ الْمُجْرِمِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله، وهناك مضاف محذوف، التقدير: عن حال المجرمين.
{ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {سَلَكَكُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {ما،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: يقولون: ما سلككم، وهذه الجملة مفسرة ل:{يَتَساءَلُونَ}. {فِي سَقَرَ:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث. انظر قول ابن مالك فيما تقدم.
الشرح:{قالُوا} أي: المجرمون الذين أسلكوا في سقر. {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} أي: لم نؤد الصلاة، ولم نعتقد بفرضيتها. وانظر ما أذكره في سورة (الماعون) إن شاء الله تعالى. {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} أي: لم نكن نتصدق، ونحسن إلى الفقراء، والمساكين. قال ابن كثير: مرادهم في الآيتين: ما عبدنا ربنا، ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا. {وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ} أي:
وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية، والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغي من الأباطيل.
والخوض: هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل، وشبهه. هذا؛ والخوض الدخول في الشيء كالماء، ونحوه، وقد استعير هنا للحديث بالباطل، والبهتان، والافتراء. وخذ قوله تعالى:{وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} الآية رقم [٦٨] من سورة (الأنعام)، وانظر سورة (المعارج) رقم [٤٢].
{وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي: نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء، والمعاد. وإنما أخره لتعظيمه، والتنويه بشأنه؛ لأنه أعظم جرائمهم، وأفحشها. وهذا تخصيص بعد تعميم؛ لأن الخوض في الباطل عام شامل لتكذيب يوم الدين، وغيره، أي: وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم القيامة.
{حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ} أي: حتى جاءنا الموت، ومقدماته، ونحن في تلك المنكرات، والضلالات، فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق. وكان عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-يقول: